يحتفلُ جيرانُنا الدروز بالنَّبي شُعيب من 25 – 28 / 4 / 2021. ولقد تحدَّث عددٌ من النَّاس عن النَّبي شُعيب عند الدروز وتذكُرُ الآياتُ القرآنية النبيَّ شُعيب 11 مرة، لكنَّني سأتحدَّث عنه في هذا المقال كقسٍ مسيحي ومن منظور مسيحي توراتي.
لا يذكر الكتابُ المقدَّسُ الاسمَ شُعيب بل يذكرُ عدةَ أسماءٍ أخرى لنفس الشخص وهي: رعوئيل، ويثرون، وحوباب. ويثرون، مع حفظ الألقاب، هو من نسل إبراهيم ومن أتباع إله إبراهيم. أنجب يثرون سبع بنات (خروج 2: 16) وكان كاهناً لقبيلة مديان. وإحدى بنات يثرون هي صفورة التي تزوجت النبي موسى وأنجبت له جرشوم وإليعازار. ويرتبط اسمُ الابن البكر (جرشوم) بكون موسى متغرباً عن أهله وقومه ويرتبط الاسم الثاني بعون الله وحمايته لموسى (خروج 18: 3 – 4).
ويقدّم الكتابُ المقدَّسُ شخصية الكاهن يثرون (شُعيب) بعدة مشاهد إيجابية تُحفّزنا أنْ نتعلم من حكمته ومن التقوى التي تحلَّى بها. أولاً، كان جدنا يثرون ملجأً لموسى الهارب. فلقد أظهر كرماً عظيماً باستقباله للنبي موسى وقدّم له الطعامَ والمأوى. لم يعامل الغريبَ بنفورٍ واقصاء بل بنى الجسورَ مع من يختلف عنه ثقافياً وجغرافياً. وكان منفتحاً أن يصبح موسى زوجاً لابنته. وفرح بأحفاده من النَّبي موسى. لقد تصرّف جدنا يثرون كما تصرّف السيد المسيح مع السامرية إذ تجاوز الاختلافات الثقافية والجغرافية وأصرَّ على أن يبارك كل إنسان.
ثانياً، لم يكن الكاهن يثرون (شُعيب) استغلالياً. فعندما أراد النبي موسى أن يعودَ إلى إخوته الذين في مصر لم يمانع الكاهن يثرون. لقد صار النبي موسى كأحد أولاده وساعده في رعاية الغنم. وكان وجوده مهمّاً للكاهن يثرون إلا أن جوابَ الشيخ العربي المدياني كان واضحاً: اذهب بسلام (خروج 4: 18). وهكذا ودّع يثرونُ ابنتَه وأحفادَه إذ احترم إرادةَ النَّبي موسى ودعوة الله له. لقد وثق أنَّ الله قادرٌ أن يحمي ابنته وأحفاده من سيف فرعون. لقد تعلم يثرون أن يفكر في غيره قبل أن يفكر نفسه.
ثالثاً، كان الكاهن يثرون عابداً لله بالحق. عندما خرج موسى مع بني إسرائيل من مصر وبعد أن أظهر الله عظمته في الضربات التي حلّت على مصر، جاء الكاهن يثرون إلى موسى. وبعد أن قصَّ موسى ما حصل معه في مصر وكيف خرج منها بمعجزات إلهية عظيمة، فرح جدنا يثرون واعترف بإله موسى قائلاً: "مبارك الرب الذي أنقذكم من أيدي المصريين ومن يد فرعون . . . الآن علمت أن الرب أعظم من جميع الآلهة" (خروج 18: 10 – 11). ثمَّ قدّم جدنا يثرون محرقةً وذبائح لله. اكتشف يثرون إله الخروج وإله الفصح والإله المُحرر. ونحن كمسيحيين اكتشفنا نفس الإله المُحرر في شخص وحياة السيد المسيح الذي مات على الصليب وقهر الموت بقيامته.
رابعاً، كان جدنا يثرون حكيماً ومُرشدا للكهنة والأنبياء. فعندما رأى تعب النبي موسى في القضاء، لم يتسرع في تقديم النَّصائح بل راقب واقعَ الحال وأصغى لشرح النبي موسى بعد أن سأله عن يومه. ثُمَّ قدمَ النصيحة المفيدة لمن يُقدّم النصائحَ لشعب إسرائيل. كان النبي موسى يقضي النهار كله في القضاء للشعب ولقد نصحه جدنا يثرون أن يؤسس هيكلية قضائية يوزع فيها المسؤولية على أُناس ذوي قدرة يخافون الله. وكانت حكمته كبيرة فسمع النبي موسى لصوت حَمِيهِ وفعل كل ما قال.
أخيرا، أنتهز هذه الفرصة لأدعو الله أن يبارك جيراننا الدروز الذين يذكِّروننا بجدنا يثرون (شعيب). لقد كان يثرون صانعَ سلام إذ فتح بيته للغريب وسمع رواية دينية من خارج تقاليده الدينية. وعندما اكتشف إله موسى باركه وقدّم له الذبائح. فهو نموذج للحوار الديني ولصنع السلام وللحكمة العملية في إدارة شؤون الحياة. وكمسيحي أرى أن جدنا يثرون هو من أبطال الإيمان الّذين أحبوا الله وشعبه وقبلوا عهده. وجدنا يثرون دليلٌ على أن الله ليس بمتعصبٍ منحازٍ لشعب على حساب شعب آخر بل هو إله العهد الذي يقبل كل من يأتي إليه طالبا هدايته ورعايته. ليتنا نتشبه بجدنا يثرون ونسير في إثر خطواته فنفتح قلوبنا لله ونسعى إلى عبادته وطاعته بحسب عهده المُقدَّس.