تزخر بلادُنا بتعدديةٍ كنسيةٍ. فهنالك الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستنتية والقبطية والسريانية والأرمنية والإنجيلية وغير ذلك. فكيف تتعامل هذه الكنائس كمؤسسات وكجماعات مع الكنائس الأخرى. لقد برزت عدةُ توجهاتٍ تتوزع بين طرفين متناقضين. نجد في الطرف الأيمن التَّكفير، ويليه التعيير، والتقدير المحدود. ثم نجد في أقصى الطرف الأيسر الوحدة المسكونية. وهكذا سأتحدث عن أربع توجهات.
أولاً، يؤمن البعضُ أنَّ الإيمانَ القويمَ موجودٌ في كنيستهم فقط. هؤلاء هم المسيحيون الأصوليون والمتشددون. كلُّ من لا ينتمي للطائفة التي ينتمون إليها مهرطقٌ وكافرٌ في نظر الله والكنيسة. ولهذا التوبة هي الطريق الوحيد المُتاح أمام الهراطقة وبالتالي أمام انضمامهم للكنيسة "الصحيحة". فلا تُقبل معموديتهم أو طقوسهم بل تُقيَّمُ ضمن دائرة التكفير. وعقلية التكفير مكسوةٌ بالتعصب والانعزال والجهل. فعادة يُروّجُ أصحابُ التكفير معتقداتهم وتعميم سلبيات الآخر دون التدقيق والتروي والتواضع.
ثانياً، يؤمن البعضُ أنَّ مسيحيةَ الآخر تُعاني من إعاقات خطيرة. هؤلاء أقل حدة من فئة التكفير لكنهم لا يرون في الآخر شريكا مساويا بل جاراً مُعاقا. فلا يكفّرون الآخر بل يبرزون التشويهات التي يعتقدون أنها موجودة في المسيحي الآخر. وعادة يهاجم هذا النوع مسيحية الآخر ويتجاهل ضعف تقليده الكنسي. فتكون كنيستُهم مثل الفريسي وكنيسة الآخر مثل العشار. هم أهل الصواب بينما يرون الآخر مُصاباً بالانحراف عن الحق. ويكون الاختلاف العقائدي والسلوكي هو جوهر الحديث لا سيّما الاختلافات التي يعتقد المتكلمون أنها من الخطايا المميتة. ويخطئ المتكلمون في دينونتهم للآخر لا سيّما أنَّ نقدهم يخلو من المحبة الصَّادقة التي تسعى لنشر الشفاء والحب الإلهي ويخلو من نقد الذات.
ثالثاً، نجد أشخاصاً يقبلون العائلات الكنسية الأخرى لكن قبولهم مشروطٌ ومحدودٌ. فيقبلون بعض الأفراد من تقليد كنسي محدد ولا يتحدثون عن مسؤوليتهم تجاه إخوتهم وأخواتهم من العائلات الكنسية الأخرى. ولا يتحدثون عن مدى الشركة المقدسة المقبولة ونوعيتها. فهل يتزوج المسيحيون من عائلات كنسية متعددة؟ وهل يشتركون في الطقوس الدينية معا؟ وهل يشارك خدام المسيح في الكنائس التي لا ينتمون إليها؟ هل يتبادلون المنابر؟ هل يطلبون بركة الآخر قبل بركتهم؟ للأسف إن الجواب هو النفي لمعظم هذه الأسئلة.
رابعاً، نجد بعض الأشخاص القلائل الذين يقبلون مسيحية الآخر دون شروط أو تشويه. فيعترفون بالاختلاف دون إثارة الخلاف. ويثمنون القاعدة المشتركة التي يؤمن بها كل المسيحيين. فيشددون على الثالوث والسر الخريستولوجي والصليب والقيامة والكلمة المقدسة ووحدة الكنيسة. هذه المجموعة هي الصوت النبوي في عصر شرذمة الكنيسة. والثمن باهظ لمن ينادي بهذا الصوت. فطوبى لمن يدفعون هذا الثمن باسم الحب الإلهي وجسد المسيح الواحد ووحدة الكنيسة الجامعة.
أخيراً، لا شك أن هذا الموضوع كبير ولا تكفي المجلدات لخوض أعماقه، لكنني أريد أن أضع بعض الاقتراحات داعيا الله أن يشفي مسيحيتنا من التعصب ويكسوها بالمحبة الصادقة. واقتراحاتي هي:
- يجب أن نلغي لغة التكفير من قاموسنا. فلا نحصر الإيمان في طائفة مسيحية بل في علاقة الإنسان مع الله في كل العائلات الكنسية. ونترك تقييم الإنسان لله ونسعى في أن نبارك كل إنسان بالحب والتواضع والسلام. ليس دورنا أن نقيم مسيحية الآخر بل أن نكون إنجيلاً متجسدا يتبارك به كل من يدخل دائرة حياتنا.
- يجب أن نلغي المقاطعة الكنسية ونسعى كأفراد وكجماعات في تعزيز الشركة الكنسية بين العائلات الكنسية المختلفة. فنخلق مناخا مسكونيا مليئا بالاحترام والتقدير للتعددية الكنسية.
- يجب أن نشجع التقارب المسيحي – المسيحي بتسهيل الزواج عبر العائلات الكنسية، وبواسطة مشاركة خدام المسيح بخدمات مشتركة. ويجب تشجيع البحث عن حلول لاهوتية لتُقبل المعموديات والعشاء الرباني وتُمارس بشكل مسكوني وليس بعقلية طائفية.
- ليست المسيحية المسكونية بديلا عن الانتماء للعائلات الكنسية. فكل عائلة كنسية لها الحق في تشكيل هويتها وخصوصيتها ولكن دون أن تنشر التعصب. فعليها أن تشكل هويتها في دائرة الحب الإلهي والتعددية الكنسية. فلنكتشف المسيح في إخوتنا وأخواتنا بدلا من تسليط الضوء على تفوقنا. ولنخدم الآخر بدلا من أن نجلس على كرسي القضاء لندين من لا يتفق معنا.
أخيرا، لم تكن كتابة هذه الأفكار سهلة. وأعلم أن كثيرين سيعترضون على هذا التوجه ولكنني بعد دراسة كلمة الله والتاريخ الكنسي والعقائد الكنسية المختلفة أقر واعترف أن ما يجمعنا أكثر بكثير مما يفرقنا. ومعا نكون أفضل. المسيحية المسكونية أفضل من المسيحية الطائفية وأقرب إلى كلمة الله وقلبه. وأعلم أن طريق الألف ميل تبدأ بخطوة فلنخطو نحو بعضنا بعضا بقوة الحب الإلهي وبفضيلة التواضع الرباني وبانفتاح القلب الإرسالي. ولنلتزم دائما أن نعطي لله كل المجد باسم ربنا يسوع المسيح.