تمر بلادنا بفترة عصيبة. كنا ننتظر بكل قلوبنا أن ينتهي عصر الكورونا الذي سادت فيه البطالة، وانتشر فيه التباعد الاجتماعي، وتجمّدت فيه الدراسة. وعانينا من الوباء والأمراض ومات عدد من الأحباء. ولم نستطع التحرك داخل البلاد أو خارجها بدون كمامات وقيود وتحديات كبيرة. كنا نرجو أن عصر الكورونا سيمضي ولا يعود. ولم نعتقد أن العصر الذي يليه سيكون أسوأ منه.
فها نحن اليوم نعيش مرضاً جديداً أسوأ من المرض الأول. إنه مرض الكراهية والعنصرية والتعميم وغياب المسؤولية. وعندما أحاول أن أصف أعراض هذا المرض أجدها كما يلي: (1) جُنَّ العقل فصار المواطن يحرق بيته ويدمر شوارعه ويسيء إلى المؤسسات التي تخدمه. حرقنا الشوارع وحاويات القمامة ودمرنا الإشارات الضوئية وكسرنا نوافذ المحلات التجارية التي تمتلكها بلدنا ونشتري منها بضائعنا. إنه الانتحار المجتمعي ونحن من نحمل المسدس المصوب إلى رؤوسنا. ونعتقد أن الطلقة ستبني البلد. (2) انفجرت براكين الغضب الأحمق. وسيطر الانفعال غير المنطقي على تصرفات جماهير كثيرة. فصار القتل والتدمير والعنف هو طعامنا اليومي ووقود البراكين التي تحترق في جوفنا. لسنا ضد طلب العدالة لكن طلبها يجب أن يكون بالطرق الصحيحة والقانونية. (3) للأسف، انطلقت آلهة التدين الأعمى والتعصب الديني. فصار الدين مدعاة للقتل ولتهميش الغريب ولتبرير الأنانية العرقية. (4) اختفى الأمان وساد الخوف. من يستطيع أن يتحرك بحرية وأن يذهب إلى العمل والقيام بالنشاطات الضرورية دون ألف حساب وحساب.
ومهما كانت التبريرات والأسباب خلف الأعراض التي ذكرتها سواء أكانت الأسباب سياسية أم مجتمعية أم متعلقة بالظلم السياسي أو بالعنصرية أو غير ذلك، فإن الأمر الواضح هو سيادة الكراهية وغياب صنّاع السلام عن المشهد السياسي والاجتماعي. السلام اليوم مُكلف أكثر من الحرب ويحتاج إلى شجاعة مضاعفة كي يقف أنبياء السلام ليعلنوا المحبة للجميع والمقاومة العلنية للعنصرية والمناصرة للمواطنة الصالحة الخالية من التخريب والعنف والتعدي على القوانين العادلة التي تخدم السلام الاجتماعي والمدني.
ومن هذا المنبر، أحث أحبائي وأهل هذه الأرض الطيبة أن يقفوا مع الأمن والسلام والعيش المشترك بين العرب واليهود وانضباط الأعصاب وتهدئة الشباب والحفاظ على الممتلكات العامة وأن يمتنعوا عن الانجرار إلى طرق الظلام. فلنغير لغة الخِطاب من التعميم والكراهية إلى لغة مسؤولة تهدف إلى شفاء المجتمع وليس إلى إهاجته. ولنطلب الحق بالطرق القانونية والسلمية وليس بالفوضى. ولنفكر معاً في مستقبل بلادنا وعيشنا المشترك كفلسطينيين ويهود يحملون المواطنة الإسرائيلية. فنحن معاً وسنبقى معاً.
وأنهي كلماتي ببعض الكلمات الخالدة التي اقتبسها من الموعظة على الجبل. وهي كلمات السيد المسيح الذي قال: "سمعتم أنه قيل، تُحب قريبك وتبغض عدوك. وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مُبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يُسيئون إليكم ويطردونكم . . . لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم فأي أجر لكم؟" وأشجع الجميع أن نفكر معا في بناء بلدنا ومجتمعنا كمجتمع تتعدد فيه الأديان والثقافات واللغات ويسود فيه الاحترام والقانون العادل للجميع.