لأجل ما سأكتبه سيتهمني العديد بالتطرف او بالاندفاع الشبابي، لكنني لا اكترث بعد الان، فصمت المسيحيين يصم الآذان في ضوء تاريخ بلادنا بشكل عام والاحداث الأخيرة بشكل خاص.
كامرأة مسيحية فلسطينية، وعند النظر الى ردة الفعل لدى الكثير من المسيحيين لما يجري، من الدعوات لصلاة لأجل السلام وبهدف وقف العنف والعودة الى الوضع الراهن، اشعر بالغضب الشديد. كيف لكنائس التي تدعي الاخرين لخلاص يسوع المسيح ان تتغاضى عن الظلم الممنهج على مدار سنوات وان تقوم بدعم نظام يقمع احلامنا، حرياتنا، وحقنا بالعيش بكرامة؟
ارجو عدم إساءة فهمي، فاني أؤيد الصلاة، لكني أؤيد الصلاة بقلب صادق ونزيه، الذي يتبنى رسالة الانجيل كاملة محررة الانسان من كل خطية بشكل شمولي، بما فيه الخطية المنظومية من قبل الدولة. كيف لنا كمسيحيين ان نصلي لسلام او لهدوء الحالة والحفاظ على الوضع الراهن، حين يقتصر هذا الوضع على نظام فصل عنصري وعلى سلب كافة الفلسطينيين حقوقهم من العيش بكرامة، سلامتهم، وحرية الحياة بتجلي كافة مركبات الهوية الفلسطينية في شعبنا؟ كيف لنا ان نصلي لأجل العدل والسلام حين ندعم التفرقة بين المسلم والمسيحي وانغلاق المجتمع المسيحي امام ذوي القدرات المادية الأضعف منا؟ نعم يا اخوتي، بالتعميم، نحن المسيحيون، نجحنا في ادعام مجتمع طبقي يفصل بين المسيحي والمسلم بالتقاطع بين الدين والطبقة الاقتصادية. اتهمنا الأخرين بالهمجية، وانتظرنا من اسياد الحكم الظالم بتحريرنا. ليست هناك حاجة للإسهاب بالشرح عن كل هذا، فما يتطلب منكم الا ان تفتحوا عيونكم وان تتساءلوا لماذا لم ندرس الدين الإسلامي، ولماذا لا نقوم بالحوار الديني مع اخوتنا المسلمين. لكن هذا ليس موضوعنا الان.
ما يهمني توضيحه هو ان رسالة الانجيل هي رسالة تحرير. يسوع المسيح تجسد، عاش كما يعيش انسان فلسطيني بيننا، فقد عاش يهوديا تحت حكم استعماري أجنبي، تألم لأجلنا جميعا، صلب بتهمة ظالمة ومات. لكنه قام، قام وتحققت بشرته للعالم، فقد علّم يسوع من إشعياء 61، ونقرأ سرد الحدث في سفر لوقا 4:
وَجَاءَ إِلَى النَّاصِرَةِ حَيْثُ كَانَ قَدْ تَرَبَّى. وَدَخَلَ الْمَجْمَعَ حَسَبَ عَادَتِهِ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَامَ لِيَقْرَأَ، فَدُفِعَ إِلَيْهِ سِفْرُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ. وَلَمَّا فَتَحَ السِّفْرَ وَجَدَ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ مَكْتُوبًا فِيهِ: "رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ". ثُمَّ طَوَى السِّفْرَ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْخَادِمِ، وَجَلَسَ. وَجَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ كَانَتْ عُيُونُهُمْ شَاخِصَةً إِلَيْهِ. فَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ: "إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ".
يا اخوتي وأخواتي، عملية تحرير الانسان من الخطية هي ليست سيرورة فردية كما تدعيه المسيحية الغربية، انما هي عملية شاملة لفداء كل الخليقة ابتداءً من الانسان الى كل جوانب حياته الاجتماعية، الجندرية، الاقتصادية، السياسية وحتى البيئية. فككنيسة وجسد يسوع المسيح، علينا ان نتبنى رسالة الفداء وتطبيقها بكل مبادئها وتعاليمها. فتتوجب علينا الصلاة لأجل جارنا ولأجل عدونا، ولكن يتوجب علينا أيضا ان نقوم بأعمال المحبة التي تغير وتعمل في واقعنا. كيف لنا ان نصلي لتدخل إلهي في الواقع ونغفل باننا عملاء تغيير في هذا العالم؟ بكل صراحة، صلاتكم ناقصة من دون الفعل وغير مرحب فيها. فيدعونا السيد المسيح الى أعمال المحبة التي تمجده، ففي مثل الخراف والجداء يقول لكل الذين ضحوا وقاموا بأعمال المحبة، الذين اهتموا للأخرين من حولهم ولاحتياجاتهم في متى 25: 34-40:
تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ. فَيُجِيبُهُ الأَبْرَارُ حِينَئِذٍ قَائِلِينَ: يَا رَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا فَأَطْعَمْنَاكَ، أَوْ عَطْشَانًا فَسَقَيْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيبًا فَآوَيْنَاكَ، أَوْ عُرْيَانًا فَكَسَوْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟ فَيُجِيبُ الْمَلِكُ وَيَقوُل لَهُمْ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ.
كل تعاليم يسوع للمحبة تتماشى مع العهد القديم. لكننا شهدنا من الماضي تداعيات عدم تبني رسالة الله بأكملها، في إشعياء 1: 13-23 نقرأ بكل وضوح، كما هو مشابه لما هو مكتوب في آيات المثل في متى 25. يحذرنا الكتاب المقدس من هذا النوع من اتباعية المسيح لكن من دون الاعمال التي تتناسب مع تعاليم يسوع:
لاَ تَعُودُوا تَأْتُونَ بِتَقْدِمَةٍ بَاطِلَةٍ. الْبَخُورُ هُوَ مَكْرَهَةٌ لِي. رَأْسُ الشَّهْرِ وَالسَّبْتُ وَنِدَاءُ الْمَحْفَلِ. لَسْتُ أُطِيقُ الإِثْمَ وَالاعْتِكَافَ. رُؤُوسُ شُهُورِكُمْ وَأَعْيَادُكُمْ بَغَضَتْهَا نَفْسِي. صَارَتْ عَلَيَّ ثِقْلًا. مَلِلْتُ حَمْلَهَا. فَحِينَ تَبْسُطُونَ أَيْدِيَكُمْ أَسْتُرُ عَيْنَيَّ عَنْكُمْ، وَإِنْ كَثَّرْتُمُ الصَّلاَةَ لاَ أَسْمَعُ. أَيْدِيكُمْ مَلآنَةٌ دَمًا. اِغْتَسِلُوا. تَنَقَّوْا. اعْزِلُوا شَرَّ أَفْعَالِكُمْ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيَّ. كُفُّوا عَنْ فِعْلِ الشَّرِّ. تَعَلَّمُوا فَعْلَ الْخَيْرِ. اطْلُبُوا الْحَقَّ. انْصِفُوا الْمَظْلُومَ. اقْضُوا لِلْيَتِيمِ. حَامُوا عَنِ الأَرْمَلَةِ. هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ الرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوف. إِنْ شِئْتُمْ وَسَمِعْتُمْ تَأْكُلُونَ خَيْرَ الأَرْضِ. وَإِنْ أَبَيْتُمْ وَتَمَرَّدْتُمْ تُؤْكَلُونَ بِالسَّيْفِ». لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ. كَيْفَ صَارَتِ الْقَرْيَةُ الأَمِينَةُ زَانِيَةً! مَلآنَةً حَقًّا. كَانَ الْعَدْلُ يَبِيتُ فِيهَا، وَأَمَّا الآنَ فَالْقَاتِلُونَ. صَارَتْ فِضَّتُكِ زَغَلًا وَخَمْرُكِ مَغْشُوشَةً بِمَاءٍ. رُؤَسَاؤُكِ مُتَمَرِّدُونَ وَلُغَفَاءُ اللُّصُوصِ. كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُحِبُّ الرَّشْوَةَ وَيَتْبَعُ الْعَطَايَا. لاَ يَقْضُونَ لِلْيَتِيمِ، وَدَعْوَى الأَرْمَلَةِ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِمْ.
كجسد المسيح في فلسطين واجبنا مساندة المظلوم والمحتاج والعمل الجاد بمحاربة الخطيئة في النظام المجتمعي السياسي وفي انتقاد ذواتنا وقياداتنا. عندما يدعونا يسوع باتباعه، يملي علينا كتلاميذه في متى 16:24 و25: "إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي، فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا". تبعية يسوع في هذا العالم تقتصر على حمل الصليب، هذه الوصية غير سهلة. لم نرسل الى هذا العالم للاستمتاع بمادياته وبملذاته، بل لخدمة القريب. بشكل فعلي هذا يعني مناهضة الحكم الظالم، الاحتلال والفساد، الدفاع عن الأسير وتحريره، إعطاء النساء كامل حقوقهن المتساوية في الكنيسة وخارج الكنيسة، خدمة البلد من أبسط امورها لأكبرها، مثل المشاركة في الحياة الثقافية والى المشاركة في بناء مجتمع مدني حي، عدم المساومة عن مبادئ الصدق والنزاهة فانتقاد الفساد، إعادة توزيع الموارد بشكل عادل، وعدم الخوف من مصادر التمويل. استعباد الكنائس للاهوت صهيوني واموال صهيونية التي تردعها من خدمة شعبها هو خرق مباشر لوصايا الله لنا. هل من المعقول المساومة على رسالة الانجيل من أجل دعم صهيوني أجنبي للكنيسة؟ نعم، كما تعلمون، الوقت يستنزفنا. ان اردتم الوحدة مع الكنائس الأجنبية الممولة لكم والتي، بشكل مباشر وغير مباشر، تضع امامكم حاجز لرفع الصوت وللتحرك الفعال لأجل المجتمع والشعب المظلوم، فإنكم خسرتم دوركم النبوي في بلادنا وفقدتم رسالة انجيل يسوع. إضافة على ذلك، الصمت العارم الناتج من مساعي الحفاظ على وحدة الكنائس هو تنازل مباشر عن رسالة يسوع المسيح الكاملة. رفع أولويات لمظاهر زائفة من الوحدة على خدمة فعالة بين أبناء الشعب تجلب العار على انجيل يسوع المسيح. يا اخوتي واخواتي، إنني اكتب هذه الكلمات بحزن شديد على وضع الكنيسة التي آلت اليه في عصرنا هذا. كلام المحبة صعب، وعلينا تحدي بعضنا البعض لأجل الحفاظ على نور رسالتنا لشعبنا.
ففي الأخير، الله يتحرك، مراجي العدل اقوى من الظلم، وان اخترتم الوقوف في الحياد الذي يدعم ظلم الاحتلال والاستعمار، فسينساكم التاريخ كما اندثرت ذكرى العديدين. ان لم تتحرك الكنيسة بقيادة الروح القدس بكل جرأة وباتخاذ موقف حازم اتجاه قضية بلادنا، فالله سيتحرك من خلال اخرين.
للتلخيص، يسوع المسيح هو فلسطيني بحكم الاستبداد ضده لأجل هويته. يسوع المسيح حاضر مع كل فقير، مظلوم ومقموع، مع كل امرأة تتعرض للعنف، ومع كل فلسطيني ان كان في الشيخ جراح، في غزة، في القدس، في الداخل المحتل وفي الشتات. علينا وفقط لأجل ايماننا بسيد السلام، وليس بدافع استحقاقنا، العمل لأجل السلام والعدل في فلسطين. علينا تقديم رؤية سلام المبني على العدل لكل الأطراف المشتركة، سلام الذي يهدم نظام التفرقة العنصرية والاستعمار الاستيطاني في بلادنا، والعمل على خلق مجتمع تعددي الذي يخلو من العنصرية ومن أيديولوجيات تؤسس الاستعلاء بين الشعوب والفئات المختلفة في المجتمع. ككنيسة فلسطينية، هذه هي دعوتنا. يسوع هو مخلص شعبنا، فهل تريدون المشاركة في الخدمة؟