من فضلك قراءة المقطعين الآتيين: متى 9: 27-31 (قصة الأعميين)، لوقا 24: 13-35 (قصة تلميذي عمواس).
في القصتين نرى نوعين من العمى: العمى الجسدي في قصة الأعميين والعمى الروحي في قصة تلميذي عمواس.
في قصة الأعميين يفتح الرب العيون الجسدية، أما في قصة تلميذي عمواس فيفتح الرب العيون الروحية.
السؤال: في أي من القصتين رأى يسوع بالحقيقة؟
تشابهات في القصتين:
1) الحاجة للرؤيا والمعرفة:
كان الأعميان بحاجة أن تُفتح أعينهما كباقي الناس الطبيعيين، فهما فاقدان للنظر ولا يعلمان كيف يبدو الناس/الطبيعة/الأشجار ويشتاقان أن تنفتح أعينهما ليريا حقيقة الأشياء التي لطالما سمعا عنها ولم يرياها كباقي الناس.
تلميذا عمواس اشتاقا أن يريا ويعرفا الحقيقة: هل يسوع حي أم أنه ما زال ميتا؟ هناك إشاعات تقول إنه حي. من كلامهما يظهر أنهما يشكان في أمر قيامة يسوع.
2) سمعوا عن الرب:
الأعميان سمعا عن الرب ومعجزاته وعجائبه واشتاقا أن ينالا الشفاء.
تلميذا عمواس: سمعا أيضا عن الرب وعلما أنه مجرد نبي مقتدر في الفعل والقول أمام الله وجميع الشعب (ع 19).
3) فتشوا على الرب:
الأعميان فتشا على الرب لينالا الشفاء، وتلميذا عمواس فتشا لرؤية الحقيقة هل الرب ميت أم أنه قام من الأموات.
4) صرخة نجدة:
الأعميان صرخا أمام الرب وطلباه من كل القلب، وكذا تلميذا عمواس، كان قلبهما ملتهبين، وألزما يسوع بالمكوث معهما. كان عندهما اشتياق للرب ولعمله في حياتهم.
5) إيمان أن يسوع هو الفادي والمخلص والشافي:
سأل الرب الأعميان "أتؤمنان أني أقدر أن أفعل هذا، قالا له: نعم يا سيد". تلميذا عمواس، في حديثهما مع الرب، قالا: ونحن كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي أسرائيل" (ع 21).
6) لحظة التحول:
لمس الرب أعين الأعميين وقال بحسب إيمانكما ليكن لكما، فحدثت المعجزة: انتفحت عيونهما الجسدية وأبصرا. انفتحت عيون تلميذي عمواس الروحية عند كسر الخبز.
الفروقات:
1) نال الأعميان الرؤيا الجسدية بينما تلميذا عمواس الرؤيا الروحية.
2) الأعميان أرادا الشفاء الجسدي، ولكن التلميذين أرادا يسوع نفسه.
3) تواضع التلميذين مقابل عصيان الأعميين: الأعميان لم يطيعا الرب وخدماه بتمرد وعصيان، ولكن التلميذين أخبرا كيف عرفا الرب وأنه حي وقام من الأموات - البشارة السارة. لقد التهب قلبهم اشتياقا للرب ولكلامه وأحبا الرب.
إن للرب طرقا كثيرة في الاستخدام والمأمورية التي دعانا فيها، والسؤال هل نسمع لصوت الرب ونخضع لكلامه ونسير بإرشاد الروح القدس فيما نحن نخدم.
لقد أوصى الرب الأعميين ألا يعلم أحد، وللرب قصد في ذلك، لا نعلم لماذا، لربما لأن الرب عرف قلبيهما أنهما غير جاهزين للبشارة في هذه المرحلة كونهما يبحثان عن الشفاء الجسدي فقط وليس الرب نفسه، أو لأنهما يحتاجان إلى النمو الروحي، وبعد ذلك يمكن أن يخدما بطريقة صحيحة.
يقول: "أشاعاه"، أي أشاعا الخبر – خبر الشفاء، فكان تركيزهما على البركة وليس على الرب مثل التلميذين.
قصة مشابهة عندما شفى الرب أحد البرص، طلب منه ألا يقول لأحد:
متى 8: 1-4:
1 ولما نزل من الجبل تبعته جموع كثيرة. 2 واذا ابرص قد جاء وسجد له قائلا: «يا سيد ان اردت تقدر ان تطهرني». 3 فمد يسوع يده ولمسه قائلا: «اريد فاطهر». وللوقت طهر برصه. 4 فقال له يسوع: «انظر ان لا تقول لاحد. بل اذهب ار نفسك للكاهن وقدم القربان الذي امر به موسى شهادة لهم».
لقد طلب الرب من التلاميذ ألا يبرحوا من أورشليم إلى أن يُلبسوا قوة من الأعالي، فأطاع التلاميذ قول الرب، بينما نقرأ في مرقس 5: 18:
18 ولما دخل السفينة طلب اليه الذي كان مجنونا ان يكون معه 19 فلم يدعه يسوع بل قال له: «اذهب الى بيتك والى اهلك واخبرهم كم صنع الرب بك ورحمك».
يظهر أن هذا الانسان كان جاهزا للبشارة، كيف لا وهو الذي طلب أن يبقى مع الرب، فلقد أحب يسوع ذاته ولم يتمسك بالبركة والشفاء بل برب البركة.
الأعميان طلبا الرب من كل القلب، فتشا عنه، صرخا وصليا من كل القلب، أمنا بالرب وبأنه الشافي، فنالا بركة عظيمة: الشفاء، ولكن للأسف لم تكن أنظارهما مركزة على الرب وطاعة وصيته، بل على الشفاء والبركة، فعصيا الرب ولم يعيرا أذنا لوصيته بعدم إشاعة الخبر.
قصة المولود الأعمى: قصة مشابهة رواها الوحي في إنجيل يوحنا الإصحاح 9.
لقد فتح الرب عيني الأعمى بعد أن طلى عينيه بالطين، فأطاع الأعمى الرب واغتسل في بركة سلوام وأتى بصيرا، ولكن من القصة نفهم أنه لم يعرف الرب، بل كان شغله الشاغل أنه شُفي، فعندما سألوه أين ذاك قال لا أعلم.
بعد أن تواجه هذا المولود الأعمى مع الفريسيين وبعد أن طردوه من المجمع أتاه الرب، وعندها فتح الرب عينيه الروحية وأدرك هذا المولود الأعمى أن الرب ليس مجرد نبي يشفي المرضى كأليشع مثلا، إنما هو ابن الله وملك الملوك ورب الأرباب.
الأمر الذي يحدد إذا كانت الخدمة بحسب مشيئة الرب أم لا هو السؤال الهام: لماذا نخدم الرب، هل لأننا نحبه هو أم لأننا نحب بركاته وجوده وإحسانه... قد يكون الفرق يكاد لا يُرى في الأمد القصير، ولكن سرعان ما ستظهر الحقيقة وتنكشف القلوب.
هناك شخصيات كثيرة خدمت الرب واستخدمها الرب بآيات ومعجزات وعجائب كثيرة، ولكن بسبب أن تمركزها كان نحو الذات مالت هذه النفوس عن الطريق وكانت نهايتهم صعبة ومؤلمة.
أمثلة: هناك أمثلة كثير من شخصيات كتابية خدمت الرب، ولكن نهايتها كانت محزنة بسبب أن هؤلاء الخدام خدموا ذواتهم وبحسب شهواتهم، على الأقل في قسم من حياتهم. سنحاول أن نختصر كي لا نطيل، ويمكن الرجوع للكتاب لقراءة الأحداث.
حزقيا: بدأ بخدمة الرب بشكل رائع، فنادى بحياة قداسة ونزع الآلهة الغريبة وعبد الرب من كل قلبه، ولكن بعد أن أكرمه الرب وأعطاه انتصارات ونجاحات تغير قلبه وارتفع وتكبر. بعد ذلك مرض حزقيا مرض الموت، فطلب الرب من جديد وصرخ من كل قلبه كي ينال الشفاء، فاستجاب له الرب وأعطاه 15 سنة إضافية، ولكن للأسف قضاهم متمركزا حول ذاته (من فضلك قراءة أشعياء 39: 1-8).
هذه القصة تُظهر كم كان حزقيا متمركزا حول ذاته وكبريائه، فقد أظهر كل ما في بيت الرب لملك بابل كي يريه عظمته، والأسوأ من ذلك أنه حتى بعد أن سمع قضاء الرب على مملكته وأولاده استحسن الكلام لأنه لن يكون الشر في أيامه، بدل أن يتوب ويعطي المجد للرب !!!!
أخيتوفل: خدم الرب وكان مشيرا للملك داود ورجلا حكيما جدا، حتى قال عنه الكتاب: "وكانت مشورة اخيتوفل التي كان يشير بها في تلك الايام كمن يسال بكلام الله.هكذا كل مشورة اخيتوفل على داود وعلى ابشالوم جميعا" (2 صم 16: 23)، ولكنه خدم الرب بمكر وتمرد وعصيان، وكانت نهايته مريرة (2 صم 17: 23).
شاول الملك خدم الرب بتمرد وعصيان، فأبقى على خيار الغنم بذريعة أنه سيقدمهم ذبيحة للرب، مع أن الرب أوصاه أن يحرّم عماليق، فرفضه الرب من الملك (1 صم 15: 9-35)، عندما أتاه صموئيل النبي قائلا: "هل مسرة الرب بالمحرقات والذبائح كما باستماع صوت الرب.هوذا الاستماع افضل من الذبيحة والاصغاء افضل من شحم الكباش. 23 لان التمرد كخطية العرافة والعناد كالوثن والترافيم.لانك رفضت كلام الرب رفضك من الملك " (1 صم 15: 22-23).
أبشالوم خدم الرب بتمرد لأنه أراد الملك لنفسه، فكان يقضي للشعب دون علم أبيه داود، وكانت النتيجة صعبة والنهاية مريرة (2 صم 15-18).
شمشون الجبار اتكل على قوته وذاته، فابتعد عن الرب فانغلب وانجذب من شهوته وفقد قوته (قضاة 13-16).
يونان تمرد على الرب، فذهب غربا بدل شرقا، ولكنه تاب أخيرا واستخدمه الرب بقوة.
يهوذا خدم الرب بتمرد وعصيان فخان سيده وأسلم الرب للموت.
سليمان الحكيم طلب حكمة لقيادة الشعب، ومع أن الرب مدحه وأتاه بما طلب وأكثر من ذلك، إلا أن سليمان شت عن الطريق وعبد آلهة غريبة وابتعد عن الرب، وكانت النتيجة أن المملكة انقسمت.
بينما داود الملك أحب الرب وعبده من كل القلب وهتف قائلا: "واحدة سألت من الرب وإياها ألتمس، أن أسكن في بيت الرب كل أيام حياتي لكي أنظر إلى جمال الرب وأتفرس في هيكله" (مز 27: 4). نعم، لقد أخطأ داود بقضية أمرأة أوريا الحثي، ولكنه تاب ودفع الثمن باهظا.
الرب أحب داود جدا وقال عنه: "وجدت داود بن يسى رجلا حسب قلبي الذي سيصنع كل مشيئتي".
السؤال: ما أو من هو مركز حياتي، وما الذي يشغل بالي، والإجابة تتحدد في اختيارين لا غير: الذات/أنا أم الرب.
كان شغل الأعميين الشاغل هو: كنا أعميين والآن نبصر، لأن تمركزهما كان نحو الذات، وبالتالي فقد أشاعا هذا الخبر وليس الخبر السار، أن الرب هو الله وهو المانح حياة أبدية لكل من يطلبه.
حادثة مشابهة جدا وردت في إنجيل متى 20: 29-34 فيها أتى أعميان للرب وطلبا الشفاء بعد أن فتشا عن الرب بكل قلبهما على الرغم من مقاومة الناس. وبعد أن شفاهما يسوع ماذا عملا؟ لقد تبعا الرب بعد الشفاء ...
من الهام بمكان أن العيون الروحية تكون مفتوحة لرؤية الرب، والمفتاح لذلك هو حياة الخضوع والانكسار، كما هو وارد في قصة تلميذي عمواس اللذان انفتحت أعينهما بعد كسر الخبز مع رب المجد، وكذلك محبة الرب من كل القلب والنفس والفكر والقدرة والتي هي أعظم وصية، فعندما أنكسر تنكسر الذات، وعندها سيتربع الرب على العرش بالكامل وسأحب الرب وسيستخدمني كما هو يريد وليس كما أنا أريد، ليس بحسب قدراتي أو طاقاتي أو مواهبي، بل بإرشاد الروح القدس، عندها سنأتي بالثمر المتكاثر لحساب ملكوت المسيح.
ما أحلى أن نهتف مع بولس الرسول قائلين (أع 20: 24):
"24 ولكنني لست احتسب لشيء، ولا نفسي ثمينة عندي، حتى اتمم بفرح سعيي والخدمة التي اخذتها من الرب يسوع، لاشهد ببشارة نعمة الله.".