بعض الجوانب الجميلة والمميزة لقصة عيد الميلاد, والتي يتم التغاضي عن تداعياتها, هي المكان الذي ولد فيه المسيح والأشخاص الذين كانوا حاضرين لتمجيده. أود في هذا التأمل أن أستخلص دروسًا مهمة لنا اليوم في سياقنا كفلسطينيين مسيحيين, خصيصًا بمكانية وبحضور الشخصيات في قصة الميلاد, وأن أحاول الإجابة عن سؤالي: إذا ولد المسيح اليوم فأين سنجده, ومع من؟
فيما يتعلق بالمكان الذي ولد فيه المسيح, فمن السهل أن نتوقع أن يولد ملك العالم في مكان مهيب أو مكان مقدس. بدلاً من أن يولد المسيح في مدينة القدس الكبيرة والمهمة, ولد المسيح في قرية بيت لحم الصغيرة. وبدلاً من أن يولد المسيح في مكان مقدس, وُلِد في مذود بسيط. لقد قرر إله الكون أن يكشف عن نفسه في ظروف متواضعة وفي سياق غير متوقع. هذا يدل على طبيعة الله أنه يكشف عن نفسه في أماكن لا نتوقعها.
بالإضافة إلى المكان, هنالك ثلاث مجموعات رئيسية أود أن اسلط الضوء عليها في هذا المقال: (1) مريم ويوسف (2) الرعاة (3) والمجوس من المشرق. أولاً, كما يسرد الانجيل, وُجدت مريم حبلى من الروح القدس عندما كانت مخطوبة ليوسف (متى 1:18, لوقا 1:27). فكانت مريم فتاة صغيرة آنذاك, وبحسب السياق الاجتماعي-الديني على الأرجح فانها اتُهمت بالزنا. ولكن لم يشاء يوسف أن يحرجها: فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارّاً وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرّاً (متى 1:19). لا بد ان عانت مريم من الضغط الاجتماعي الهائل تحت تلك الظروف, فاعتُبرت زانية او خائنة. ومن جهة يوسف, فكان نجارًا شابًا عاديًا وربما اتهم في هذه الصورة بمصدر سبب حمل خطيبته. فنرى بانه على الرغم من كون يوسف ومريم زوجاً شاباً وتورطه في موقف مخجل, إلا أن قرر الله الكشف عن نفسه لهما.
ثانيًا, المجموعة الثانية التي تواجدت عند الولادة هي الرعاة. خلال ذاك الوقت, اعتُبر الرعاة من ذوي الخلفية الاجتماعية والاقتصادية المتدنيّة. لم ينالوا االاحترام كذوي المكانة الرفيعة في المجتمع. ومع ذلك, قرر الله مرة أخرى أن يظهر نفسه لهذه المجموعة أولاً, وليس للملوك أو لرجال الدين (لوقا 2: 8-14).
ثالثًا وأخيراً, هي المجموعة الثالثة التي تواجدت في الملاد وهي المجوس من المشرق. جاء المجوس تابعين النجمة, بعيدًا من الشرق للسجود للمسيح (متى 2: 1-2), وما يميزهم هنا هو بالأساس كونهم أجانب وغرباء. لربما لم يكونوا يهودًا ولكن بالتأكيد لم يكن انتمائهم للسكان المحليين. بكلمات أخرى, كشف الله عن نفسه للغرباء الذين اعتُبروا في ذلك الوقت, شعبًا نجسًا, وفقًا للشريعة اليهودية.
للتلخيص, كشف الله عن نفسه لزوج شاب, يوسف, ومريم الفتاة الصغيرة. كشف نفسه لفقراء المجتمع وحتى للغرباء. أعتقد أن في هذا مغزى جميل ومهم للغاية. من خلال اختيار الله للشخصيات التي ذكرت أعلاه, نستطيع أن نرى ان ولادة المسيح لم تكن ضمن وبرفقة اصحاب المكانة السامية, رجال الدين أو نخبة المجتمع.
هنا يطرح السؤال مجددًا, إذا ولد المسيح اليوم فأين سنجده, ومع من؟ ماذا يمكن أن نتعلم من هذه القصة ليومنا هذا؟ إذا ولد المسيح اليوم, فمن المحتمل أن يكون في مكان لا يتوقعه أي منا نحن المسيحيين الفلسطينيين. في الواقع, ربما لن يولد في كنيسة أو لعائلة مسيحية, وسيكون الضيوف من خلفيات فقيرة أو من الغرباء. هذه هي طبيعة الله الحقيقية, إنه إله المظلومين والمهمشين والمنبوذين من المجتمع.
قد يبدو السؤال عن مكان ميلاد المسيح اليوم غريبًا وغير كتابيّ للبعض, لكننا نحن المسيحيين نؤمن بالمسيح المُقام الذي يستمر في العمل ويكشف عن نفسه في العالم اليوم. وإذا كنا نؤمن حقًا أن المسيح نشط في عالمنااليوم, فلا بد أن يكون بين المظلومين والمهمشين والمنبوذين من المجتمع. للتفكير في هذا السياق الفلسطيني المسيحي (سواء في الداخل أو في الضفة الغربية وغزة, لأننا جميعًا فلسطينيون), نحتاج إلى التفكير: أين وإلى من يكشف الله عن نفسه؟ بحسب قصة الميلاد, تواجهنا الحقيقة بأن المسيح لن يولد بالضرورة بين الكنائس وبين المسيحيين, ولكن سيكشف نفسه بين الضعفاء للغاية في المجتمع. ونعم, قد يشمل هذا المجتمعات المسلمة وفئات اخرى من المجتمع. لأننا, وبشكل عام, نحن, المسيحيين الفلسطينيين نميل أن نأتي من خلفيات متمكنة اقتصاديا واجتماعيا, ونحصل في الكثير من الأحيان على معاملة أفضل من إخواننا وأخواتنا المسلمين.
فبدلاً من أن يولد المسيح لعائلة مسيحية فلسطينية في القدس, أو بيت لحم أو الجليل, فمن الممكن أن يولد المسيح اليوم في غزة لعائلة مسلمة فقيرة. بغض النظر عن قصة الميلاد, أؤمن أن الله نشط في هذه المجتمعات اليوم إذ يعينها في التغلب على الظروف الحياتية القاسية. هذا تحدٍ لنا نحن المسيحيين الفلسطينيين. يجب ألا نصبح مثل النخبة ورجال الدين في قصة عيد الميلاد الذين لربما يؤمنون بأن الله يُفضّل المسيحي عن غيره فقط لكونه مسيحي. بدلاً من ذلك, نحتاج إلى أن نتمثّل بالزوج الشاب الذي تم تهميشه في المجتمع, الرعاة المتواضعين والغرباء الذين تبعوا المسيح. دعونا ألا نحصر عمل الروح القدس في كنائسنا وجماعاتنا.
فالله يعمل دائمًا في أصعب الظروف, دعونا لا نشعر بالراحة في فقاعاتنا المسيحية.
عيد ميلاد مجيد للجميع, وبركة الرب مع جميعكم.