يحل علينا موسم الأعياد المجيدة ونحن كأردنيين وعرب وبشر بحاجة ماسة الى فرحة العيد وسلام العيد ومسرة العيد.
جاء المسيح المخلص لمدينة بيت لحم الفلسطينية وكانت ولادته من العذراء البتول مريم في مذود حقير رمز التواضع والسلام. وقد بشرت الولادة المعجزية الملائكة التي ظهرت للرعاة في بلدة بيت ساحور ورنمت” المجد لله في الاعالي وعلى الارض السلام وفي الناس المسرة."
ونحن في أردن الهاشميين نتضرع لله من كافة كنائسنا بأن يديم لنا ملكنا ذخرا لكل مواطن يعشق هذا الوطن وهذه العائلة المباركة.
يوفر عيد الميلاد مجموعة من الدروس ممكن ان نستفيد منها في حياتنا اليومية رغم مرور ألفي عام على ولادة السيد المسيح في بلادنا المقدسة.
إننا كعائلة مسيحية نتطلع للاحتفال هذا العام تحت بند الوحدة. فالوحدة مطلوبة على كافة المستويات. ننعم بوحدة المواطنة حيث أن العائلة المسيحية الموحدة عاشت بحرية عبادة تامة منذ تأسيس الإمارة بقيادة جلال الملك عبد الله الاول.
إن الوحدة مطلب الشعوب والجماعات لأنه في الوحدة قوة ولكن الوحدة تتطلب التفاهم والتنازل والتنسيق. فلا توجد وحدة في غياب الهوية الوطنية ولا توجد وحدة مع العنصرية البغيضة ولا توجد وحدة مع الفتن والخلافات.
الفجوة كبيرة بين الاختلاف والتنوع من جهة والخلاف من ناحية أخرى. التنوع يوفر لنا سمفونية جميلة وبستان مليء بالورود ذات الألوان والروائح المختلفة ولكنها كلها تنمو داخل الحقل الجميل. علينا الاحتفال بهذا الأردن فهو لوحة براقة تعبر عن حضارة شعب فخور بتاريخه وتراثه.
لقد عانت بلادنا العربية من الخلافات ولكن اردننا العزيز بقي جزيرة من السلام والوئام والتفاهم. فرغم الأزمات والنزاعات في محيطنا والتي أساسها الخلافات الطائفية وغيرها الا ان الاردن كان وسيبقى دائما مصدر إشعاع يوفر الاطمئنان والسلام للاجئين الذين سعوا الديار الأردنية والتي استضافتهم رغم شح الموارد.
صحيح انه بين الحين والآخر يخرج علينا اشخاص أو فئات خارجة عن الخط الوطني او خوارج دينية أو مجتمعية ولكن وحدة الشعب بجميع اطيافه المتماسك بإرثه هو السد الأمين للحفاظ على ازدهارها ونموها. وقد سمى الأردن فوق كل هذا "برسالة عمان "وبمواقف الملك المشرفة بشأن التسامح الديني واحترام الاخر الامر الذي ادى الى تكريم جلالته جائزة تمبلتون وغيرها من الجوائز المستحقة لمواقفه المميز في هذا الشأن.
وفي الشأن المسيحي تحديداً فإننا نشكر الله على القيادات الأردنية التي وفرت الأمن والأمان للمسيحيين من كافة الطوائف للعبادة الحرة وبدون أي تدخل. وقد ترك موقف الأردن إثر كبير لدى الجميع وخاصة اخوتنا وأهلنا في فلسطين لمواقف جلالة الملك عبد الله الثاني الداعم بقوة وعزم منقطع النظير في دعم الأشقاء الفلسطينيين نحو إنهاء الاحتلال وإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس. وفي ذكر القدس لا بد أن نُذكر أهمية الوصاية الهاشمية للمدينة المقدسة والتي تشمل الرعاية الصادقة والمتابعة الحثيثة دفاعا عن المقدسات الإسلامية والمسيحية على وجهة كامل.
في هذه المناسبة الدينية والوطنية العطرة فإننا كإنجيليين نتعهد أمام جلالته بأن نكون رسل سلام ومحبة ننقل رسالة الأردن لكافة المؤسسات والأطر الدولية التي نتعاون معها كمجتمع إنجيلي أو كنائس انجيلية منطوية تحت مظلة مجمعنا والمؤسسات الخيرية والانسانية الصديقة التي نتواصل معها عالميا ومنها الاتحاد الإنجيلي العالمي والذي يضم أكثر من ستمائة مليون مسيحي إنجيلي حول العالم.
لقد تأسس مجمعنا المجمع الإنجيلي الأردني عام 2006 ويشمل طائفة الكنيسة المعمدانية الأردنية، كنيسة جماعات الله الاردنية، الكنيسة الإنجيلية الحرة، طائفة كنيسة الناصري الإنجيلية، كنيسة الاتحاد المسيحي. وتخدم مؤسسات تابعة للكنائس الإنجيلية المجتمع المحلي في مجالات عديدة منها التعليم والصحة واللاجئين وخدمة السجون وكبار السن والأيتام ويقدر عدد الأردنيين التابعين للكنائس الانجيلية حوالي عشرة آلاف شخص يقومون بالعبادة في 70 كنيسة إنجيلية منتشرة في أنحاء المملكة منذ العشرينات.
كما وتفتخر كمسيحيين عرب وطنيين ان قادتنا الروحيين والعلمانيين طواقي للوحدة المسيحية وقد سجل رؤساء ونشطاء من كنائس الأردن وفلسطين إنجازات باهرة لفت إليها العالم بإعجاب. مؤسسات ونشطاء مسيحيون أقاموا ويديرون مؤسسات انسانية وتعليمية وفكرية. فيدير شخصيات ذات كفاءة عالية على سبيل المثال لا الحصر مستشفى المطلع في القدس التابع للكنيسة الإنجيلية اللوثرية ومستشفى الأهلي في غزة والانجيلي في رفيديا –نابلس التابع للكنيسة الأسقفية العربية ومدارس بطريركية اللاتين والأرثوذكس والكاثوليك والاسقفية واللوثرية والمعمدانية والناصري وجامعة بيت لحم وبيرزيت وكلية بيت لحم للكتاب المقدس ودار الكلمة وجمعية الكتاب المقدس الأردنية والفلسطينية و الجليلية. كما أبرع المسيحيون العرب ومنهم الإنجيليون للصد أفكار الصهيونية المسيحية في مشاريع مثل المسيح على نقطة التفتيش و كايروس فلسطين وغيرها. كما وكان للنوادي الأرثوذكسية الرائدة والكشافة التابعة لمعظم الكنائس المسيحية وجمعيات الشبان والشابات المسيحية والعدد الكبير من المؤسسات التعليمية والخيرية التابعة للكنائس دورا هاما في الدفاع عن الحق العربي ورفض الاستعمار والاحتلال والطغيان.
لم يقُصر رجال وسيدات الأعمال ونشطاء السياسة الوطنيون والمثقفون والفنانون والمهنيون وغيرهم من أبناء وبنات الوطن في العمل الجاد من أجل الحرية والرفاهية ورفع شأن الأردن والعمل على الوحدة المسيحية. كل تلك المؤسسات والنشاطات الكثيرة المتعددة والمنتشرة في بلادنا شارك فيها قادة مسيحيون وطنيون من العائلات المسيحية الأرثوذكسية والكاثوليكية والانجيلية دون تمييز أو تحيز.
كما وسجل غبطة البطريرك الأرثوذكسي ثيوفيلوس الثالث نجاحات مهمة في مجال وحدة العائلة المسيحية الأمر الذي حقق له جائزة الوحدة المسيحية من قبل المؤسسة الدولية لوحدة الدول المسيحية الأرثوذكسية في موسكو. وفي كلمته في الاحتفال الذي جرى في موسكو في 22 تشرين ثاني 2019 اقتبس البطريرك من إنجيل يوحنا الآية الوحدوية التالية: "لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي"
إننا نتطلع لغبطته ولكافة رؤسائنا الاجلاء والقادة المسيحيين المدنيون الوطنيون الاستمرار في العطاء في مجال وحدة العائلة المسيحية. ونتعهد من ناحيتنا بالتعاون والتنسيق الصادق مع الجميع في سبيل الدفاع عن حقوق كافة المسيحيين في بلادنا لما في ذلك من انعكاس حقيقي لروح العيد المتمثلة بالمحبة والسلام والمسرة بين الناس.
لنستقبل معاً موسم الميلاد رافعين صلواتنا من أجل السلام والأمان وانتهاء الوباء وعام جديد مبارك مليء بالخير على الجميع متمنين للوطن تحت رعاية جلالة مليكنا عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الامين المزيد من التقدم والازدهار.
وكل عام وبلدنا الغالي وشعبنا العزيز بألف خير.
القس ديفيد الريحاني هو رئيس المجمع الإنجيلي الأردني