عيد الأم هو اختراعٌ امريكي بدأ سنة 1908 من آنا جارفيس. وانتشر العيد حول العالم ووصل إلى العالم العربي عن طريق الصحفي علي أمين. فهو أول من اقترح الاحتفال بعيد الأم في العالم العربي. وهو أول من خصص يوم 21 آذار للاحتفال بهذا العيد. وُلد علي أمين سنة 1914 وهو مصري الجنسية. وعمل في الصحافة لا سيما في جريدة أخبار اليوم. وكان علي يكتب مقالات يومية فكتب مقالا اقترح فيه الاحتفال بعيد الأم. وقُبل اقتراحه بسبب ثقافتنا المشرقية التي تشجع إكرام الأهل والأم وبسبب التشجيع الديني من الإسلام والمسيحية واليهودية ومناصرة الأمومة.
رغم ذلك، مفهوم الأمومة زمن الاقتراح العربي كان مرتبطا بمجتمع ذكوري يرغب في إكرام الأم دون إكرام المرأة كمساوية للرجل في القيمة والدور. ويُكرم العيد الأمومة من منظور تفوق الرجل في الدور والمكانة الاجتماعية. ويفهم الأمومة في إطار الأسرة وليس في قدرتها على المساهمة الاجتماعية والسياسية واللاهوتية. ولقد تغيرت المعايير ونحتاج أن نأطر عيد الأم من منظور آخر. فيجب عدم حصر احتفالنا بالأم والأمومة وفي ذات الوقت نروج سيادة مجتمع ذكوري يحد دور المرأة في الأمومة ويقبل قتل الشرف وظلم النساء. لقد تغير مفهومنا عن المرأة وتأطر مفهوم الأمومة بسياق اجتماعي وسياسي جديد. فهل إكرام المرأة محصور بالأمومة؟ وهل هويتها الاجتماعية الأساسية محصورة في كونها راعية للأولاد؟
إن المفهوم الاجتماعي للأمومة ملوث بذكورية تسعى إلى تهميش مكانة المرأة سواء أكان في الكنيسة أم في المجتمع. ولهذا نحتاج إن نصوغ احتفالنا بذهن متجدد وبلاهوت منفتح لدراسة مفهوم الأمومة لاهوتيا. واقترح في هذا المقال الصغير مفاكرة أولية نحو هذا اللاهوت. ويشمل الاقتراح المراحل التالية:
- بدأت الأمومة مع حواء. ولقد دُعيت بهذا الاسم لإنها أم كل حي (تكوين 3: 20). دعا آدم زوجته بهذا الاسم في إطار ديني وفي سياق نكتشف من خلاله هوية الله. فحواء مخلوقةٌ على صورة الله وأمومتها تعكس الذات الإلهية. فالله هو الحي ومصدر كل الحياة وذلك بشهادة واضحة من سفر التكوين إذ خلق الله كل المخلوقات الحية. ورغم أن آدم وحواء لم يستطيعا أن يأكلا من شجرة الحياة إلا أنهما اكتشفا طريقا آخر للحياة. هذا الطريق هو طريق أمومة حواء. وربما يكون هذا اللاهوت خلفية مناسبة لفهم أحد أصعب الآيات في الكتاب المقدس عندما قال بولس لتيموثاوس أن المرأة ستخلص بولادة الأولاد (1 تيموثاوس 2: 15).
- الأمومة هي مساحة لاهوتية لا نكتشف فيها هوية الله الحي فحسب بل نكتشف من خلالها خطة الله للخلاص والله المخلص. لقد قال الله للحية: وأضع عداوة بينك وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسك، وأنت تسحقين عقبه" (تكوين 3: 15). إن الأمومة هي الطريق لقهر الشر والشيطان. فمن خلال نسل حواء أم كل حي سيأتي النسل المنتصر الذي يسحق قوة الشيطان. لقد صارت الأمومة عنوان الرجاء وطريق الخلاص من الموت واللعنة.
- الأمومة هي أفضل تعبير عن العلاقة الحميمة مع الله وهي الطريق لاكتشاف الله المتواضع الذي بتواضعه العجيب صنع الخلاص واسترد العلاقة الحميمة مع الإنسان. وهنا أتذكر العذراء المباركة. لقد أصبحت هذه الإنسانة القديسة هيكلا لله. حلّ عليها الروح القدس، الأقنوم الثالث، وضللتها قوة العلي (الأقنوم الأول) ووُلد منها ابن الله (الاقنوم الثاني). لقد سكن فيها الله وعاش في أحشائها وأحست به وأحس بها واتحد الناسوت باللاهوت من خلالها. لقد اكتشفنا تواضع الله من خلال أمومتها.
- الأمومة هي المساحة اللاهوتية التي نكتشف فيها عروس المسيح وندرك هوية المرأة التي يحاربها التنين (رؤيا 12: 17). فالكنيسة هي أم المؤمنين من كل الشعوب والأمم والألسنة. وهي عنوان الوحدة ومجتمع المحبة والقداسة والسلام. وهي البديل الإلهي عن بابل سافكة الدماء (رؤيا 17 – 18).
في ضوء ما سبق، نحتاج أن نوسّع مفهوم الأمومة فلا نحصر الأمومة في إطار الأسرة بل نبحث عنها في هوية الله وهوية الإنسان الجديد الذي استنار بنور المسيح. ويجب أن نجعل الأمومة برنامجا سياسيا واجتماعيا لرعاية الأيتام والمهمشين ولنشر العلاقة الحميمة مع الله المؤسسة على المحبة والسلام ونشر ثقافة الحياة. فالأمومة مدرسة اجتماعية ونفسية ومساحة لاهوتية وأرض خصبة لبناء مجتمع أفضل. وتبدأ هذه الثقافة المسيحية المنفتحة للأمومة بتوسيع تقديرنا وتثميننا للأمهات والأمومة وكل امرأة بهدف بناء مجتمع يعكس المفهوم اللاهوتي للأمومة وينشر تقدير المرأة واحترامها ليس في إطار أمومتها فحسب بل في ضوء أمومة الله واختياره لأمومتها لتعكس هويته وكونه الله الحي والله المخلص والله المتواضع والله المتأنس. وأيضا نكتشف من خلال الأمومة العلاقة الحميمة مع الله ولاهوت الكنيسة الأم. ونكتشف أيضا طرق الله في بناء مجتمع عادل مليء بالحياة والتواضع والمحبة. كل عام وأنتم بخير وليمنحنا الله أن نكتشف أمومته الأسمى والأعظم والكاملة فهو لا ينسانا حتى وإن نسيت الأم رضيعها.