يختلفُ فقهاءُ اللَّاهوت في تفسيـر الـرواية الكتابية المتعلقة بخروج إسرائيل العهد القديم من مصر [1] فهل حدثت فعلاً؟ وما الأدلة التي تدعم حقيقة هذه القصة؟ هل كتب عنها الفراعنة؟ وهل كان موسى شخصيةً تاريخيةً حقيقيةً أم أنَّه أسطورةٌ من بنات أفكار خيال إسرائيل العهد القديم؟ سيـركّز هذا المقال على تقديم موضوع تاريخ الخروج بين الإنجيليين دون الخوض في النّقاش المتعلق بتاريخية الحدث وطرائق التأريخ المرتبطة به.
يقدم دارسو العهد القديم عدة وجهات نظر وتواريخ للقصة الكتابية. وسنعتمد على شرح Scott Stripling لعرض وجهة النظر التي تنادي أن خروج إسرائيل العهد القديم حصل في القرن الخامس عشر قبل الميلاد. ويدعم Scott رأيه أولا من الكتاب المقدس ثمّ من حفريات علم الآثار. [2] ويُبرز Scott عدة نصوص أهمها ما يلي:
- وكان في سنة الأربع مئة والثمانين لخروج بني إسرائيل من أرض مصر، في السنة الرابعة لملك سليمان على إسرائيل، في شهر زيو وهو الشهر الثاني، أنه بنى البيت للرب. (1 ملوك 6: 1)
يوافق عددٌ من الدارسين أن البناء السُّليماني كان سنة 967 ق. م. فإن أضفنا 479 سنة يصبح تاريخُ الخروج هو 1446 ق. م. لكنَّ نصَّ السَّبعينية اليونانية مختلفٌ ويضع السنة 440 بدلاً من السنة 480. ولهذا نضيف 967 إلى 439 فتصبح النتيجةُ 1406 ق. م.
- حين أقام إسرائيل في حشبون وقراها، وعروعير وقراها وكل المدن التي على جانب أرنون ثلاث مئة سنة؟ فلماذا لم تستردها في تلك المدة؟ (قضاة 11: 26)
يصرّح يفتاح الجلعادي لملك بني عمون ما حصل عند الخروج من مصر. ثمَّ يُبيّن أنَّ إسرائيل العهد القديم أخذ الأرضَ وسكن فيها ثلاث مئة سنة. إنَّ تاريخ يفتاح يعود إلى سنة 1100 ق. م. ولهذا إذا أضفنا 1100 إلى 300 سنة تصبح النتيجة 1400 ق. م. مما يتوافق مع العدد في 1 ملوك 6: 1.
- وهؤلاء هم القائمون مع بنيهم. من بني القهاتيين: هيمان المغني ابن يوئيل بن صموئيل بن ألقانة بن يروحام بن إيليئيل بن توح بن صوف بن ألقانة بن محث بن عماساي بن ألقانة بن يوئيل بن عزريا بن صفنيا بن تحث بن أسير بن أبياساف بن قورح (1 أخبار الأيام 6: 33 – 37).
يُقدّم النَّصُ لائحةً لنسل الموسيقيين من فترة هيمان زمن النَّبي داود إلى قورح الذي عاصر النَّبي موسى. ويقترح عددٌ من المفسرين أنَّ الجيل هنا هو 25 سنة. فبسبب وجود 18 جيل نصل إلى العدد 450 (18 x 25 = 450) سنة. فإن أضفنا جيل سليمان و967 سنة تصبح النتيجة 450 + 25 + 967 = 1442 ق. م.
يتحدّى James Hoffemeier هذا التَّفسير مجادلاً أنَّ حساب السنين الحرفي استناداً إلى 1 ملوك 6: 1 وقضاة 11: 26 يتجاهل السَّنين المذكورة في سفر القضاة وأسفار صموئيل الأوَّل والثَّاني ويتجاهل أيضاً الاختلاف في السّنين بين النُّسخ الماسورية والنُّسخ اليونانية السَّبعينية. ويقول هوفمير أنَّنا لو أضفنا الحسابات المذكورة في هذه الأسفار وحسبنا التَّواريخ التي تشمل شاول وداود والقضاة المختلفين لحصلنا على العدد 633 – 650 سنة مما يجعل الخروج سنة 1600- 1617 ق. م. [3] وهكذا يُقدّم الكتابُ المقدس أكثرَ من تاريخ لزمن الخروج مما يثير الأسئلة المتعلقة بمفهوم ومدلول التأريخ البيبلي. ويفصّل هوفمير هذه السنين كما يلي [4]:
السنوات |
الوصف |
المرجع الكتابي |
3 |
السنة الرابعة لحكم سليمان |
1 مل 6: 1 |
40 |
حكم داود |
1 مل 2: 10 |
40 |
حكم شاول |
1 صم 13: 1 |
30 |
الفترة التقديرية لقيادة صموئيل |
راجع 1 صم 7: 14-15 |
40 |
فترة عالي الكاهن |
1 صم 4: 18 |
20 |
حكم شمشون |
قض 15: 20 |
40 |
فترة ظلم الفلستيين |
قض 13: 1 |
8 |
حكم عبدون |
قض 12: 14 |
10 |
حكم إيلون |
قض 12: 11 |
7 |
حكم إبصان |
قض 12: 9 |
6 |
حكم يفتاح |
قض 12: 7 |
18 |
فترة ظلم بني عمون |
قض 10: 8 |
22 |
حكم يائير |
قض 10: 3 |
23 |
حكم تولع |
قض 10: 2 |
3 |
حكم أبيمالك |
قض 9: 22 |
40 |
فترة جدعون |
قض 8: 22 |
7 |
فترة ظلم مديان |
قض 6: 1 |
40 |
فترة دبورة وباراق |
قض 5: 31 |
20 |
فترة ظلم يابين |
قض 4: 3 |
3 |
حكم شمجر |
قض 3: 31 |
80 |
استراحت الأرض بعد إهود |
قض 3: 30 |
18 |
ظلم بني موآب |
قض 3: 13 |
40 |
السلام بعد انتصار عثنيئيل |
قض 3: 11 |
8 |
فترة ظلم كوشان رشعتايم |
قض 3: 8 |
20 |
منذ نهاية غزو الأرض حتى موت يشوع |
قض 2: 6 – 7 |
7 |
منذ غزو يشوع حتى توزيع الأرض |
راجع يش 14: 7، 10. |
40 |
فترة البرية |
عدد 14: 33 |
633 سنة |
المجموع الكلي |
|
ويضيف هوفمير أنَّ خروج 1: 11 يتحدث عن مدينتي مخازن: فيثوم ورعمسيس. والأدلة الأركيولوجية تؤكد أنَّ مدينة رعمسيس بُنيت في القرن الثالث عشر. [5]
ويتحدى Gary Rendsburg نظرية خروج إسرائيل العهد القديم في القرن الخامس عشر استناداً على الآيات أعلاه. ويجادل أنَّ العدد 40 هو عدد منتشر في الكتابات البابلية والمصرية والآشورية. ويُستخدم بطرق غير حرفية. ويقترح أنَّ هذا الاستخدام يتشابه مع ما يحصل في عدد كبير من آيات الكتاب المقدس. فسيكون شعبُ إبراهيم غرباء في أرض غريبة مدة 400 عام (تك 15: 13) وسيكون إسرائيل العهد القديم في البرية 40 عام وستنقسم حياة موسى إلى ثلاثة أجزاء، كل منها هو 40 عاما فيموت وعمره 120 عاما (تث 34: 7). ونرى تكرارَ العدد 40 في سفر القضاة (3: 11، 30؛ 5: 31) وفي أسفار أخرى (راجع مثلا 2 صم 5: 4؛ 1 ملوك 11: 42 / ص 65 – 66). ولهذا يميل إلى رؤية العدد 40 بصورة رمزية.
في ضوء ما سبق، اقترح الأمور التَّالية: (1) يجب أن نرفض الرأي الليبرالي الذي يقزّم شهادة الكتاب المقدس ويقترح أنه أخطأ في التواريخ. ويستند هذا الرأي على المنظور الأركيولوجي والكتابات التَّاريخية القديمة لكنَّه يستثني مصداقية الكتاب المقدس ويفترض أن النَّصَ مضللٌ. (2) يجب أن نرفض الفكرَ الأصولي الَّذي يتجاهل الأدلة الأركيولوجية إلّا إذا كانت تؤيدُ ما يؤمن به. فهذا التَّوجه مناقضٌ لأخلاقيات البحث الصَّحيح عن الحق. (3) يجب أن نكون منفتحين في اعتبار كلّ الأدلة الكتابية والأركيولوجية بأكثر من طريقة. فإن كانت الأدلةُ الأركيولوجية قاطعةً أم مشكوك فيها فهذا يؤثر على موقفنا وعلى فهمنا لحرفية أو رمزية النَّص الكتابي. (4) وجود تفسير منطقي مقبول يتوافق مع الأدلة الأركيولوجية يشجع الحوار مع المفكرين وينشر رسالة الكتاب المقدس وملكوت الله. (5) زمن خروج بني إسرائيل من مصر لا يؤثر على الرسالة الدينية والإيمانية للكلمة المقدسة ما دام الادعاء لا يرفض حقيقة الحدث ولا ينتقص من مصداقية الوحي المقدس.
القس الدكتور حنا كتناشو
[1] The basic argument of this essay is influenced by the book of Five Views on the Exodus. See Mark Janzen, ed. Five Views on the Exodus: Historicity, Chronology, and Theological Implications. Grand Rapids: Zondervan, 2021.
[2] Ibid., 25-52.
[3] Ibid., 54.
[4] James Hoffmeier, “What is the Biblical Date for the Exodus?: A Response to Bryant Wood,” JETS 50 (2007): 227-228.
[5] Ibid., 233.