يتحدث البشير لوقا في الإصحاح الثالث عشر من إنجيله عن الدعوة للتوبة في ثلاث محطات. أولاً، ذهب بعض اليهود الجليليين إلى أورشليم ليقدموا الذبائح في الهيكل. فقتلهم الحاكم الروماني بيلاطس وخلط دمهم بذبائحهم. قد يحتفل بيلاطس بما فعل فلقد كان حاكما مُستبداً بدون رحمة. فهو قاتل المسيح وظالم الشعب وسفير الاحتلال والاستبداد ومُدنِّس أماكن العبادة. وللأسف، صنف بيلاطس وجماعته منتشرون عبر التاريخ. فكم من حاكم مستبد هاجم أماكن العبادة وقتل العابدين وحرّم حرية الضمير واختيار الإنسان لعبادته؟ وكم من دماء سُفكت باسم السياسة وبجنود الحُكام وبتبرير تلو الآخر؟ وما زلنا نسمع أخبار هؤلاء الحُكام. فماذا يجب أن يكون رد فعلنا؟ وكيف يتفاعل السيد المسيح مع هذه أخبار وذكريات النكبات السياسية ومع تقارير قتل الإنسان لأخيه الإنسان؟ لا شكّ أننا لا نستغني عن العدالة والمطالبة بها إلا أن السيّد المسيح يدعوننا أن نبدأ بالتوبة. فنطلب من الله أن يغفر ذنوبنا ويُطهّر قلوبنا ويغير أفكارنا حتى نتحول إلى أدوات صالحة لمواجهة شرور قلوبنا أولاً ثم مواجهة شرور هذا العالم بالانضمام لملكوت الله وبنشره فينا ومن خلالنا.
ثانيا، يتحدث المسيح عن وقوع برج في منطقة سلوام. وبسبب هذه الكارثة فقد ثمانية عشر شخصا حياتهم لكنهم ليسوا من الجليل بل هم سكان أورشليم. هم سكان بلد آخر. وتكثر كوارث العالم في زماننا سواء أكان بسبب الزلازل أم البراكين أم الكورونا أم غير ذلك. ويظن البعض أن المريض والمنكوب أكثر شراً من صاحب الأحوال الجيدة. إلا أن هذا التفكير غير صحيح. يتحدانا المسيح أن نترجم الكوارث المحيطة بنا إلى دعوة للتوبة الشخصية والجماعية لبلادنا أولاً. إن المؤمن يسمع الأخبار بأسلوب آخر وبقلب آخر. فيبدأ بالحزن على آلام البشر ويتوجه لله بالرجاء وبالتوبة الشخصية وليس بدينونة الآخرين.
ثالثا، يتحدث المسيح عن صاحب كرم زرع شجرة تين في أرضه. لكنها لم تقدم أي ثمر. ورغم مرور عدد من السنوات بقيت الشجرة عقيمة. استثمر صاحب التينة فيها. فطلب من المزارع أن يحرث أرضها ويضع الأسمدة حولها. ولكن إن لم تثمر بعد كل هذا الاستثمار فإنها ستُقطع وستموت وستنتهي فرصتها في الحياة وفي تقديم الثمار. ويظهر لنا المثل أن الله يدعونا للتوبة لا سيّما عندما نقر ونعترف أن كنائسنا ضعيفة بدون ثمر وأن الشعوب حولنا لا تعرف المسيح ولا تقدم له العبادة الواجبة. إن غياب الثمر علامة على الحاجة إلى التوبة وإلى التضرع لله لتدبّ فينا الحياة ويكثر فينا الثمر. إن التوبة هي دعوة المسيح لنا وهي علاجٌ لشرور قلوبنا وهي عيونٌ ننظر من خلالها وهي ذهنية نُفسر الحياة من خلالها. التوبة هي الطريق إلى الله وهي الطريق لمحبة الإنسان. التوبة هي بداية المشوار نحو العدالة. التوبة هي دعوة الله أن يقود بلادنا وكنائسنا نحو تحقيق أهداف ملكوت الله فينا ومن خلالنا. التوبة هي أول خطوات اليقظة الروحية من سُبات هذه الحياة وهي نعمة الله لأشجارنا العقيمة. ما أحوجنا أن نتوب ونرجع إلى الله فهناك نجد كنوز الحياة.