تصنيف المسيحية كديانة هو غير صحيح. المسيحية لا تتعلق بعقيدة او بمنظومة فرائض بل بشخص المسيح. ان تكون مسيحياً يعني ان تؤمن بيسوع المسيح تتبعه وتعيشهُ. الديانة ليست الّا ظل يسوع المسيح. الديانات تهتم بالواجبات الدينية المفروضة، بأوقات الصلاة والصوم، بالحصول على مغفرة الخطايا وتخبرنا ما هي أنواع الأطعمة والألبسة المسموحة والممنوعة.
الديانة غير قادرة على تطهير ضمير الانسان
الأيمان المسيحي، حسب الكتاب المقدس، يرى بالقوانين الدينية انها تَظهر بهيئة القداسة لكنها غير قادرة على تطهير الأنسان من الضمير الشرير وفقط الأيمان بالمخلص يسوع المسيح وبذبيحته على الصليب قادر على ذلك.
في الكتاب المقدس (عبرانيين9: 10-14) مكتوب عن فرائض تقديم القرابين والذبائح:
"هِـيَ أحكامٌ تَخُصّ الجَسَدَ وتَقتَصِرُ على المَأْكَلِ والمَشرَبِ ومُختَلفِ أساليبِ الغَسلِ، وكانَت مَفروضَةً إلى الوَقتِ الذي يُصلِـحُ اللهُ فيهِ كُلّ شيءٍ. هِـيَ أحكامٌ تَخُصّ الجَسَدَ وتَقتَصِرُ على المَأْكَلِ والمَشرَبِ ومُختَلفِ أساليبِ الغَسلِ، وكانَت مَفروضَةً إلى الوَقتِ الذي يُصلِـحُ اللهُ فيهِ كُلّ شيءٍ.
في الآية (15) يؤكد الكتاب عن دور يسوع المسيح كوسيط لعهد جديد بموته ككفارة للخطايا:
" يسوع المسيح هوَ الوَسيطُ لِعَهدٍ جَديدٍ يَنالُ فيهِ المَدعوّونَ الميراثَ الأبدِيّ المَوعودَ، لأنّهُ ماتَ كَفّارَةً لِلمَعاصي التي اَرتكَبَها الشّعبُ في أيّامِ العَهدِ الأوّلِ".
وفي (كو 2: 20-23) يشدد الكتاب المقدس أن من يؤمن في اسم المسيح قد تَخلّص من الفرائض والتعاليم التي لا قيمة لها بعد:
"فإنْ كُنتُم مُتّم معَ المَسيحِ وتخَلّصتُم مِنْ قِوى الكَونِ الأوّلِـيّةِ، فكيفَ تَعيشونَ كأنّكُم تَنتَمونَ إلى هذا العالَمِ؟ لِماذا تَخضَعونَ لِمِثلِ هذِهِ الفَرائضِ: 21«لا تَلمَسْ، لا تَذُقْ هذا، لا تُمسِكْ ذاكَ»، 22وهِـيَ كُلّها أشياءُ تَزولُ بالاستِعمالِ؟ نعَمْ، هِيَ أحكامٌ وتَعاليمُ بشَرِيّةٌ، 23لها ظَواهِرُ الحِكمَةِ لِما فيها مِنْ عِبادَةٍ خاصّةٍ وتَواضُعٍ وقَهرٍ لِلجَسَدِ، ولكِنْ لا قِـيمَةَ لها في ضَبطِ أهواءِ الجَسَدِ".
غرض الله من خلق الأنسان
خطة الله وفكرهُ منذ الأزل ان يسكن مع الانسان، اذ مكتوب في (أمثال 8:31): "فرحه في مكسونة أرضه ولذاتي مع بني ادم "، ومكتوب أيضا في (رؤية 21:3):
"وسَمِعتُ صَوتًا عَظيمًا مِنَ العَرشِ يَقولُ: «ها هوَ مَسكِنُ اللهِ والنّاسِ: يَسكُنُ معَهُم ويكونونَ لَه شُعوبًا. اللهُ نَفسُهُ مَعَهُم ويكونُ لهُم إلهًا."
وَعْد الله قبل الأزمنة الأزلية هي أن يجعل حياته (الحياة الأبدية) متاحة للإنسان وليسكن مع الانسان من خلال المسيح . مكتوب في (1تيطس 1:3):
"رَجاءِ الحياةِ الأبَديّةِ التي وَعَدَ اللهُ الصادِقُ بِها مُنذُ الأزَلِ"
ومكتوب في ( 2 تي 1:9-10):
"الذي خَلّصَنا ودَعانا دَعوَةً مُقَدّسَةً، لا بِفَضلِ أعمالِنا، بَلْ وِفقًا لِتَدبـيرِهِ ونِعمَتِهِ التي وهَبَها لنا في المَسيحِ يَسوعَ مُنذُ الأزَلِ، 10وكَشَفَها لنا الآنَ بِظُهورِ مُخَلّصِنا المَسيحِ يَسوعَ الذي قَضى على المَوتِ وأنارَ الحَياةَ والخُلودَ بِالبِشارَةِ ."
اذن غرض الله وفكرهُ الأزلي هو ان يقيم علاقة مع الانسان ويسكن في الانسان ومع الانسان. لهذا السبب خلق الله الانسان. كيف يمكن ان يسكن في الانسان ومع الانسان ان لم يأخذ جسداً بشرياً "يسوع المسيح" ويعيش كانسان كامل دون أي خطية ليفدي الانسان من الخطية ومن عقابها الأبدي وليكون لكل من يؤمن بالمسيح الحياة الابدية.
مكتوب عن عظمة هذا السر في ( 1 تيموثاوس 3: 16):
"عظيمٌ هو سِرّ التّقوى: الله الذي ظهَرَ في الجَسَدِ وتَبَــرّرَ في الرّوحِ، شاهدَتْهُ المَلائِكَةُ،
كانَ بِشارَةً للأُمَمِ، آمَنَ بِه العالَمُ ورفعه الله في المجد".
لأيّ غرض جاء المسيح
لم يأتِ يسوع المسيح قبل ألفين عام كي يؤسس دين او عقيدة دينية وهو لا يعتبر قائد ديني بل هو ابن الله الذي جاء ليخلص البشرية والعالم (ليس فقط المسيحيين) من الهلاك وسيادة الشر منذ سقوط ادم وحواء بالخطيئة.
مكتوب في (1 تي 1:15) :
"أنّ المَسيحَ يَسوعَ جاءَ إلى العالَمِ ليُخلّصَ الخاطِئينَ" وفي (يوحنا 3:17): "اللهُ أرسَلَ اَبنَهُ إلى العالَمِ لا ليدينَ العالَمَ، بل ليُخلّصَ بِه العالَمَ".
لكن يجب ان نعلم ان يسوع لم يأت فقط للخلاص بل جاء ليتمم غرض الله ومقاصده الإلهية الازلية من وراء خلق الأنسان. جاء المسيح ليعيد العلاقة بين الانسان والله، ليعيد للأنسان انسانيته الحقيقية التي فقدها منذ ان انفصل عن الله بسقوط الانسان الأول.
يقول يسوع في انجيل يوحنا 10:10:
"انا قد اتيت لتكون لكم حياة ويكون لهم افضل".
جاء يسوع ليعطينا حياة وافرة وهذه الحياة هي "حياة ابدية" ("زوي" باللغة اليونانية وتعني حياة الله) اذ يقول يوحنا في رسالته الأولى (5: 11-13):
"أنّ اللهَ أعطانا الحياةَ الأبدِيّةَ، وهذِهِ الحياةَ هِـيَ في اَبنه مَن يكونُ لَه الاَبنُ فلَهُ الحياةُ. مَنْ لا يكونُ لَه اَبنُ اللهِ، فلا تكونُ لَه الحياةُ .أكتُبُ إلَيكُم بِهذا لِتَعرِفوا أنّ الحياةَ الأبدِيّةَ لكُم، أنتُمُ الذينَ تُؤمِنونَ باَسمِ اَبنِ اللهِ."
مكتوب أيضا في يوحنا (3:16):
"هكذا أحبّ اللهُ العالَمَ حتى وهَبَ اَبنَهُ الأوحَدَ، فَلا يَهلِكَ كُلّ مَنْ يُؤمِنُ بِه، بل تكونُ لَهُ الحياةُ الأبدِيّةُ."
المسيحي شريك في الطبيعة الإلهية
الحياة الأبدية ("زوي" باليونانية) هي حياة الله وطبيعة هذه الحياة هي طبيعة الله، يسوع الأبن جاء ليعطينا طبيعة الآب الألهية بدل الطبيعة الشريرة التي فينا منذ السقوط. المسيحي هو شريك في هذه الطبيعة الإلهية. يؤكد الكتاب المقدس على امتلاك المسيحي لهذه الطبيعة الإلهية في رسالة بطرس الثانية (1:3-4):
"وهَبَتْ لنا قُدرَتُهُ الإلهِيّةُ كُلّ ما هوَ لِلحَياةِ والتّقوى بِفَضلِ مَعرِفَةِ الذي دَعانا بِمَجدِهِ وعِزّتِهِ، فمَنَحَنا بِهِما أثمَنَ الوُعودِ وأعظَمَها، حتى تَبتَعِدوا عمّا في هذِهِ الدّنيا مِنْ فَسادِ الشّهوَةِ وتَصيروا شُرَكاءَ الطّبـيعَةِ الإلهِيّ".
سر المسيحية هو ان المسيح يسكن في المسيحي
ان السر الذي كان مخفي منذ الأزل تم إعلانه بأنجيل يسوع المسيح. يقول الكتاب في (رو 16:25):
"المَجدُ للهِ القادِرِ أن يُثَبّتَكُم في الإنجيلِ الذي أعلَنَهُ مُنادِيًا بـيَسوعَ المَسيحِ وَفقًا لِلسِرّ المُعلَنِ الذي بَقِـيَ مكتومًا مدى الأزَل."
ومكتوب أيضا عن هذا السر في (اف3: 8-9):
"..أعطاني اللهُ هذِهِ النّعمَةَ لأُبشّرَ غَيرَ اليَهودِ بِما في المَسيحِ مِنْ غِنًى لا حَدّ لَه، ولأُبـيّنَ لِجَميعِ النّاسِ تَدبـيرَ ذلِكَ السّرّ الذي بَقِـيَ مكتومًا طَوالَ العُصورِ في اللهِ خالِقِ كُلّ شيءٍ".
يكشف لنا الكتاب ما هو هذا السرّ في رسالة كولوسي (1: 24-29):
"السّرّ الذي كَتَمَهُ اللهُ طَوالَ الدّهورِ والأجيالِ وكشَفَهُ الآنَ لِقِدّيسيهِ الذينَ أرادَ اللهُ لهُم أنْ يَعرِفوا كَمْ كانَ هذا السّرّ غَنِـيّا ومَجيدًا عِندَ غَيرِ اليَهودِ، السر هو أنّ المَسيحَ فيكُم وهوَ رَجاءُ المَجدِ. بِه نُنادي ونُبشّرُ جميعَ النّاسِ ونُعَلّمُهُم بِكُلّ حِكمَةٍ لِنَجعَلَ كُلّ إنسانٍ كامِلاً في المَسيح".
المسيحي هيكل لله وروح الله يسكن فيه/يحمل الحضور الإلهي
يقوا الكتاب في (2 كو6:16 ):
"فنَحنُ هَيكَلُ اللهِ الحيّ. هكذا قالَ اللهُ: سأَسكُنُ بَينَهُم وأسيرُ معَهُم، وأكونُ إلَهَهُم ويكونونَ شَعبـي."
وفي (1 كو 3:16):
"أما تَعرِفونَ أنّكُم هَيكَلُ اللهِ، وأنّ رُوحَ اللهِ يَسكُنُ فيكُم؟ فمَنْ هدَمَ هَيكَلَ اللهِ هَدمَهُ اللهُ، لأنّ هَيكَلَ اللهِ مُقَدّسٌ، وأنتُم أنفسُكُم هذا الهَيكَلُ.
المسيحي مخلوق جديد وانسان جديد
الذي يقبل ذبيحة المسيح على الصليب ويعترف بلسانه ان يسوع المسيح هو الرب يصير ابنا لله (يو 1:12، رو 10:9) ويصبح ايضا مخلوق جديد غير مسبوق (2 كو5:17). تصير حياته الجديدة سماوية/روحية وليس دنيوية/جسدية. اذ تموت حياته العتيقة مع المسيح على الصليب ويقوم من الموت بحياة جديدة ( رو 6:4).
إن النفس المولودة ولادة جديدة في المسيح تفرح بأمور الله وتكره أمور العالم والجسد. إن أهدافها ومشاعرها ورغباتها ومفاهيمها صارت جديدة ومختلفة. فترى العالم بطريقة مختلفة.
يقول الكتاب في (كو 9:3):
"قد خَلَعْتُمُ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ مَعَ اعْمَالِهِ".
وفي (اف 24:4) يقول:
" لبسنا "الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ".
الخاتمة
المسيحية ليست ديانة كما هو شائع كباقي الديانات والكتاب المقدس هو بالأساس كتاب يتكلم عن علاقة شخصية حية يومية ومباشرة مع الله الخالق، المحب. هو كتاب يعلم كل مسيحي أن يعيش كما عاش المسيح وأن يسلك حسب تعاليمه ووصاياه المليئة بالمحبة والغفران والمسامحة والعيش بقداسة وطهارة مع الله ومع غيره من البشر وأن يحمل هذه الرسالة الإلهية لكل العالم، بالإضافة لذلك الكتاب المقدس هو مصدر للعقائد