ما يحدث في ايامنا لا يبشر بالخير، والمقصود ب- "الخير" هو من ناحية الهدوء والاستقرار السياسي، ويتبعه الاقتصادي فالاجتماعي وحدث ولا حرج على كل الأصعدة.
الحديث عن اقتراحات لقوانين يتعدى عددها ال- 140 اقتراحا، وتحوي تغييرات جذرية في التشريع، والتي في حال تم قبولها سيؤول الأمر إلى الحد من صلاحيات السلطة القضائية وحصر الصلاحيات "والقوة" في يد الحزب الواحد ثم الرجل الواحد، وهذا طبعا يضعف بل وقد يقضي على النظام الديموقراطي ويحرِف النظام نحو الحكم الدكتاتوري، ولذلك نرى معارضة على نحو واسع من أناس ديموقراطيين، أو ربما يدّعون ذلك على الاقل.
إذا درسنا تبعيات كل من الاحتمالين: الوضع الراهن مقابل التشريعات الجديدة، قد نصل إلى نفس النتيجة، ونؤكد كلمة "قد". طبعا لا نقول إن هذا النظام كذاك، على الاطلاق.
لنفترض أن الدولة انحازت إلى النظام الدكتاتوري بقبول التشريعات الجديدة، فهذا هو "كارثة" لدولة آمنت بيهوديتها وديموقراطيتها في آن واحد، بل وقامت على هذا الأساس الذي تعزز بوثيقة الاستقلال التي قامت على أساسها. قبول هذا النظام سيضعف بل وقد يدمر الكثير من القوانين التي من شأنها صنع العدالة بين الناس، وبالتالي سينتشر الظلم والاجحاف ويغيب العدل في المحاكم والسلطات المحلية وكل سلطة أخرى، هو نظام يغير الموازين ويقلبها، بحيث يمكنك أن تقول للأسود ابيض بدون أن يحاسبك احد، وبحيث يمكن اعتبار الظالم عادلا والعادل ظالما، وكم يذكرنا ذلك بقانون الغاب، بحيث القوي يأكل الضعيف ولا مُحاسب.
لا شك بصعوبة هذا الوضع بل بكارثيته، والنتائج قد تكون صعبة للغاية اضعافا عند الحديث عن شعبنا العربي الفلسطيني الاسرائيلي الذي يعاني الكثير من عدم المساواة في كثير من النواحي داخل نظام ديموقراطي، أو يدعي ذلك، فلنتخيل الوضع لشعبنا في حال تغيير النظام للدكتاتوري الغاشم.
السؤال انه في حال بقي الوضع على ما عليه، فهل هذا أفضل؟
الادعاء هو أن النظام هو ديموقراطي لدولة تأسست تحت عنوان: "دولة يهودية وديموقراطية"، وهذا التعريف هو إشكالي بحد ذاته ويخلق "بلبلة مصطلحات" لمخلوق ذي وجهين: الأول هو اليهودي والآخر الديموقراطي، فهل يصح ذلك؟
السؤال: كيف يمكن لدولة أن تدّعي انها "دولة اليهود" وفي ذات الوقت دولة ديموقراطية؟؟!! فهذا لا يتماشى مع ذاك، ويكفي أن نذكر تناقضا واحدا اساسيا، الذي منه ستنبت التناقضات الاخرى، وهو التسمية بحد ذاتها: دولة اليهود، فالكتاب يُقرأ من عنوانه، وهذه التسمية بحد ذاتها تخلق جوا من الفوقية والعليائية تجاه غير اليهود، بحيث انه اي شخص غير يهودي ينوي السكن في هذه الدولة سيعتبر غريبا عنها، كونه غير يهودي، وعلى رأسهم طبعا العرب الفلسطينيين، فأين الديموقراطية في جو كهذا وكيف يمكن تحقيقها عندما يكون العنوان يوحي باللاديموقراطية على وجه الوضوح.
هذه التسمية بالدولة اليهودية والديموقراطية خلقت صراعات كثيرة عند الكثير من اليهود، ومنهم من لا يؤمن بهذا التعريف كونه عنصريا ومتناقضا بحد ذاته، ولا يمكن أن يتماشى مع الديموقراطية الحقيقية.
من هنا، ومن هذه التسمية بالذات، انبثقت أجواء من الفوقية والعنصرية، معتبرة أن للشعب اليهودي الحق أن يعيش في دولته، وبالتالي إنكار لحقوق الكثيرين من غير اليهود.
والسؤال المحيّر اكثر: كيف يمكن، في تسمية كهذه وفي جو كهذا وفي مثل هذا العنوان أن تبقى الدولة "ديموقراطية"؟؟؟!!! هذا على فرض انها فعلا كذلك...
هذه التسمية وهذا العنوان، وعلى مر عقود منذ قيام الدولة إلى الان، هو السبب، برأيي، الذي حذا بالدولة إلى ما عليه الان، ولم يأت الأمر فجأة او على حين غرة، بل هو حصيلة فكر متجذر في أساسات هذه الدولة، ولا يمكن ضم الفكرتين معا تحت سقف واحد، كما لا يمكن للخزف أن يجتمع مع الحديد او يختلط فيه.
من هنا قد نفهم لماذا بدأت الدولة، عند قيامها، بسيطرة الأحزاب اليسارية لسنين طويلة، وشيئا فشيئا ابتدأت هذه الأحزاب بالنقصان والضعف لغاية سيطرة الأحزاب اليمينية، منذ أواخر التسعينيات تقريبا، بالذات بعد اغتيال رابين، وها نحن أمام وحش ابتدأ بنزع قناعه ليظهر على حقيقته، وما أقساها من حقيقة...
وإذا كان الحديث عن آخر الأيام التي سبق الرب وأنبأ بها، فهذا الوضع الذي وصلنا له، برأيي، هو تحضير لظهور المسيح الكذاب، ولا ننسى إحدى صفات النظام الدكتاتوري (او الفاشي): تركيز القوة في الحزب الواحد والشخص الواحد، وهذا ما قد يمنح المسيح الكذاب صلاحيات قوية وكبيرة للسيطرة والتملك والظلم.
ليعطنا الرب حكمة في التعامل مع كل ما يواجهنا، ولنبق انوارا وسط ظلمة هذه الظروف الصعبة، ولنحارب وحش برود المحبة بسبب كثرة الاثم، ولنصبر للمنتهى حتى نخلص.