يحمل أسبوع الآلام هذا العام في بلادنا بُعدًا اضافيًا عن المعتاد.
فلقد تميّزت الأشهر الأخيرة بحالة من الغليان والمواجهات العنيفة بين الأقطاب المتناحرة. ولقد دار ذلك حول ما يسميه البعض "الإصلاح القضائي"، ولكنه بالحقيقة محاولة لتغيير نظام الحكم الى نظام دكتاتوري بامتياز يتمثل بتحوّل الثلاث سلطات الى سلطة واحدة تتحكم بها الحكومة.
وصحيح ان العرب من اهل البلاد لم يشتركوا بعمليات الاحتجاج لأسباب عديدة لا مجال لطرحها هنا، لكنهم يدركون انهم سيكونون اول من يعاني من جراء هذا التغيير، وسيكونون عُرضة لأهواء ونزوات الحكومة للمسّ بهم وتقييد حريتهم دون رقيب (تمثل بشكل محدود لحد الآن بالسلطة القضائية).
ولم يكتف الائتلاف الحكومي باستغلال اغلبيته وبمحاولة قلب نظام الحكم، ولكن "اتحفنا" بحشد من اقتراحات القوانين التي اما تقيّد الأقليات ( مثل قانون منع التبشير) او تُكرّس امتيازات لجمهور الداعمين للأحزاب التي تتشكل منها الحكومة وفرض الممارسات على الغير ( قانون منع الخميرة في المستشفيات وقوانين الميزانيات لدعم جهاز التعليم التابع للأحزاب المتديّنة) او قوانين جاءت لتُشرعِن نهج وممارسات فاسدة بطبيعتها (قانون الهدايا التي تسمح بتقديم متبرعين أموالا للسياسيين لكي يموّلوا التمثيل القضائي في قضايا رفعت ضدهم او قانون درعي 2 الذي يمنع التدخل القضائي في تعيين وزراء وهدفه إعادة الوزير السابق درعي للحكومة رغم تعهده السابق بعد ادانته في قضايا فساد الا يعود) وغيرها.
ولكي يزيدوا الطين بلّة، اخذت فئات المتطرفين من المتدينين اليهود والمستوطين تصول وتجول في البلاد والضفة الغربية بشعور النشوة بسبب اقامة حكومة يمينية خالصة. واخذوا يسعون لفرض هيمنتهم والملاحقة والتضييق على العرب في البلاد والضفة الغربية. كما وقامت مؤخرًا مجموعة من المهوّسين ببناء الهيكل مكان قبة الصخرة والمسجد الأقصى باقتراح جائزة مالية لكل من يحاول تقديم ذبيحة متمثلة بجدي في جبل الهيكل (قبة الصخرة اليوم) بمثابة إعادة طقس تقديم الذبائح في الهيكل- الامر الذي بوسعه اشعال الحرب الدينية الشعواء.
ولا يسع المتأمل بطريق الصليب الا ان يرى التناقض الشديد بين توجهات يسوع ومسلكه وبين التيارات السلبية والمؤذية حولنا.
فمقابل روح التسلط والهيمنة والدكتاتورية الحكومية، نرى روح الوداعة وخدمة الآخر عند يسوع. فابن الله بنفسه، صاحب كل سلطان وقدرة والكائن الى الابد، يُخلي نفسه بكل تواضع ليسير مسيرة مهينة نحو صليب الذل والعار على الصليب. بينما يفكر السلاطين بمصالحهم الشخصية، يفكر يسوع بغيره ويبذل نفسه لاجلهم.
ومقابل القوانين التي تخرج منها رائحة العنصرية والتمييز والبحث عن الامتيازات الشخصية او تكريس الفساد- نرى يسوع يبث عطر نردين من محبته لكل بني البشر وباستقامة وببذل الذات يذهب للصليب.
ومقابل روح التطرف والسعي لإعادة تقديم ذبائح في معبد يتبع لدين آخر وعدم الحساسية لتأجيج العنف- يضحي الفادي بنفسه لأجل بني البشر كحمل الله الذي يرفع خطية العالم لأنه لا يريد ان الناس تهلك وتموت دون رجاء القيامة.
يا له من مثال يستحق ان نتبعه بينما نرى خطية الانانية والظلم المؤسساتي والفردي تنتشر في بلادنا والعالم اجمع. قيامة يسوع بعد موته تمنحنا الرجاء ان ظلام الجمعة سيستبدل بنور يشع من قبر فارغ صباح الاحد.