ترعرعت في عائلة جناحها الاول من طرف والدي غربي التقويم وتحديدًا من الروم الملكيين الكاثوليك وجناحه الآخر من طرف والدتي شرقي التقويم وتحديدًا رومي ارثوذكسي. لذا حظينا في عائلتنا بموعدين بدل واحد لعيدي الميلاد والفصح. طبعا التقويم الغربي يسبق الشرقي، لذا اعتبرنا قضاء العيد عند اهل والدتي بمثابة زيادة الخير وبونوس لطيف او ربما موعد ب ( كما هو حال امتحانات الجامعات التي يُمنح فيها الطالب فرصة اخرى ليجرب حظه وليرفع علاماته فيها).
وبعدما تزوجت من فتاة من عائلة ارثوذكسية استمرت هذه الازدواجية.
استرعى انتباهي البوست اللاذع ولكنه الصادق لحد الالم الذي كتبه الدكتور عزمي حكيم الذي لطالما أصاب كبد الحقيقة في ملاحظاته الاجتماعية بنظرته الثاقبة. قال الدكتور عزمي على صفحته على الفيسبوك قبل عدّة أيام:
"الله يكون بعون المسلمين علينا… لقد خربطنا حياتهن: اشي بيبشر واشي بشعنن واشي بجنّز واشي بقوّم… هم مش عارفين على مين يعايدوا"…
لكن نظرتي المرحة للازدواجية والتداخل بين أعياد الشرقيين والغربيين (مثل عيد البشارة الشرقي الذي صادف نفس يوم الجمعة العظيمة الغربي هذا العام) تبدلت مع السنين.
اني ارى اليوم فيها اشارة لتشبث المسيحيين في ديارنا بالهامشي بدل الجوهري ولشرذمتنا وتشتيتنا.
لقد نعمنا لعدة سنوات من اتفاق على توحيد الاحتفال بالاعياد بين الطوائف المختلفة. فاجمعت الطوائف ان يعيّد كل المسيحيين عيد الميلاد في الموعد الغربي الثابت وهو 25 من كانون اول، اما الفصح ففي موعده المتغيّر بحسب التقويم الشرقي (اليولياني). ولكن الاتفاق لم يبق على حاله وعادت كل كنيسة بحسب الترتيب الفئوي البائد. لن اخوض هنا بالسؤال من الذي اخلّ بالتفاهم، فهناك ادعاءات متناقضة شائكة بهذا الامر.
لا يسع المؤمن المسيحي الا ان يتساءل لماذا اهملنا طلب الرب ساعات قبل صلبه حين صلى للآب " ليكون الجميع واحدا، كما انك انت ايها الاب في وانا فيك، ليكونوا هم ايضا واحدا فينا، ليؤمن العالم انك ارسلتني״ (يوحنا 17: 21). بكلمات أخرى يطلب الرب من تلاميذه ان يتوحدوا "كما انك انت فيّ وانا فيك". أي يطلب وحدة بين المؤمنين مثل وحدة اقنوم الآب والابن!! قد يقول قائل ان الوحدة بين المؤمنين ليست بان يعيّدوا بنفس التاريخ. ردّي هو انه اذا لم نعرف ان نقوم بالسهل وهو احياء الذكرى والتعييد بنفس التاريخ، فكيف ندّعي وحدة أوسع في أمور أخرى. اعتقد ان التعييد المتخالف هو إشارة لعدم الوحدة والشرخ المستمر ومخالفة طلب الرب المباشر.
اننا نحتفل في عيد الفصح بأكبر واعظم حدث في تاريخ البشرية. ففيه نتذكر كيف تجسد الله بابنه يسوع وسار للصليب ليموت هناك ويقوم في اليوم الثالث ليفدي البشرية من الخطية.
الا يتقزم موضوع الموعد "الصحيح" لحدوث الصلب والقيامة امام هذا الحدث الجبار؟ الا يمكن التنازل والاتفاق على أحد التقويمين في سبيل التعييد المشترك بين كل المسيحيين؟
لقد وصلت نسبة المسيحيين جميعًا في البلاد الى 1.5% أي انه من كل 66 شخص في البلاد تجد واحدًا فقط هو مسيحي عربي. ان تقسيمنا لمن يعيّد بحسب الغربي والمعيّدين بحسب الشرقي يزيدنا تشرذمًا وتمزقًا. مع اضمحلال اعداد المسيحيين في بلادنا يزيدنا هذا التقسيم عزلة وبشعور الغربة، اذ تشعر بالعيد بشكل اقل.
لقد قررت كنيستي ( الكنيسة المعمدانية المحلية في الناصرة) قبل عشرين عامًا انها ستقوم باتباع الموعد الغربي لتعيّد عيد الميلاد والموعد الشرقي لعيد الفصح دون علاقة بما تتبعه الكنيسة المعمدانية في الخارج (وهي كنيسة غربية) وتستمر بهذا النهج لحد اليوم. رغم انها كنيسة صغيرة وتأثيرها محدود لكنها شهادة لما يتوجب ان تفعله كل الكنائس لكي نرضي قلب الرب ونعطي اعيادنا قيمتها ولكي نقرّب المسيحيين بأن يعيّدوا معًا عالاقل.