قضاة 16: 4-21:
4 وكان بعد ذلك انه احب امراة في وادي سورق اسمها دليلة. 5 فصعد اليها اقطاب الفلسطينيين وقالوا لها تملقيه وانظري بماذا قوته العظيمة وبماذا نتمكن منه لكي نوثقه لاذلاله فنعطيك كل واحد الفا ومئة شاقل فضة. 6 فقالت دليلة لشمشون اخبرني بماذا قوتك العظيمة وبماذا توثق لاذلالك. 7 فقال لها شمشون اذا اوثقوني بسبعة اوتار طرية لم تجف اضعف واصير كواحد من الناس. 8 فاصعد لها اقطاب الفلسطينيين سبعة اوتار طرية لم تجف فاوثقته بها 9 والكمين لابث عندها في الحجرة.فقالت له الفلسطينيون عليك يا شمشون.فقطع الاوتار كما يقطع فتيل المشاقة اذ شم النار ولم تعلم قوته. 10 فقالت دليلة لشمشون ها قد ختلتني وكلمتني بالكذب.فاخبرني الان بماذا توثق. 11 فقال لها اذا اوثقوني بحبال جديدة لم تستعمل اضعف واصير كواحد من الناس. 12 فاخذت دليلة حبالا جديدة واوثقته بها وقالت له الفلسطينيون عليك يا شمشون.والكمين لابث في الحجرة.فقطعها عن ذراعيه كخيط. 13 فقالت دليلة لشمشون حتى الان ختلتني وكلمتني بالكذب.فاخبرني بماذا توثق.فقال لها اذا ضفرت سبع خصل راسي مع السدى. 14 فمكنتها بالوتد وقالت له الفلسطينيون عليك يا شمشون.فانتبه من نومه وقلع وتد النسيج والسدى. 15 فقالت له كيف تقول احبك وقلبك ليس معي.هوذا ثلاث مرات قد ختلتني ولم تخبرني بماذا قوتك العظيمة. 16 ولما كانت تضايقه بكلامها كل يوم والحت عليه ضاقت نفسه الى الموت 17 فكشف لها كل قلبه وقال لها لم يعل موسى راسي لاني نذير الله من بطن امي.فان حلقت تفارقني قوتي واضعف واصير كاحد الناس. 18 ولما رات دليلة انه قد اخبرها بكل ما بقلبه ارسلت فدعت اقطاب الفلسطينيين وقالت اصعدوا هذه المرة فانه قد كشف لي كل قلبه.فصعد اليها اقطاب الفلسطينيين واصعدوا الفضة بيدهم. 19 وانامته على ركبتيها ودعت رجلا وحلقت سبع خصل راسه وابتدات باذلاله وفارقته قوته. 20 وقالت الفلسطينيون عليك يا شمشون.فانتبه من نومه وقال اخرج حسب كل مرة وانتفض.ولم يعلم ان الرب قد فارقه. 21 فاخذه الفلسطينيون وقلعوا عينيه ونزلوا به الى غزة واوثقوه بسلاسل نحاس وكان يطحن في بيت السجن.
شمشون هو أحد القضاة الذين استخدمهم الله بقوة، وهو المعروف ب"شمشون الجبار"، وذلك لعظم قوته الجسدية.
لقد كان شمشون "نذيرا" للرب، بحيث لم يعلُ رأسه موس، وبالتالي فقد كان شعره طويلا وكان يتحرك بقيادة روح الرب دائما، فاستخدمه الله بشدة لتحرير الشعب من العبودية، وذلك بقوته الجسدية الكبيرة، مثلا عندما شق الأسد بيديه وقتله، أو عندما قلع باب المدينة وحمله إلى أعلى الجبل.
من المهم أن ندرك أن قوة شمشون لم تكمن في شعره، بل في حلول روح الرب عليه، والعلامة لذلك كانت شعره كإشارة للنذر، بالضبط كما أن المعمودية هي إعلان وعلامة للإيمان بيسوع المسيح.
على الرغم من استخدام الله له بقوة، إلّا أن قوة ضعفه كانت "الشهوات الشبابية" ومحبته للنساء، الأمر الذي أودى بحياته، وكانت نهايته أليمة كما قرأنا.
للأسف، لقد أحب شمشون "العالم والأشياء التي في العالم" أكثر من محبته لله، وكان اعتماده على قوته الجسدية وشهوات الحياة والشهرة والغنى ومحبة الأشياء دون محبة الله، "محبة" التي طغت على إيمانه وأسقطت حياته في العطب والهلاك.
"دليلة" كانت آخر فتاة "غريبة" أحبها شمشون، وقد أرادت، بضغط من شعبها، أن تعرف سر قوة شمشون، فتملقته أربع مرات لتعلم سر قوته، وفي كل مرة كانت توثقه، فشلت في الثلاث مرات، ونجحت في المرة الرابعة، تلك التي أودت بحياة شمشون.
(1) المحاولة/المرحلة الأولى - سبعة أوتار طرية لم تجف (عدد 7):
قد تشير الأوتار الطرية إلى المرحلة الأولى من حياة الإنسان على الأرض، حياة الطفولة، التي كثيرا ما نتمنى أن نرجع إليها، والعدد "سبعة" يشير إلى الكمال، فالطفل بريء والكل يعتني به والحياة "أمامه" طويلة، فيبدو أنه بعيد عن الشيخوخة والموت، وهذا يعطيه قوة معينة، كالوتر الطري الغض، ولكن سرعان ما يقطّع شمشون هذه الأوتار، إشارة إلى أن هذه المرحلة من الحياة فانية وتزول، ولا تساوي شيئا أمام قوة الله وعظمة قدرته، ولا شيء أمام اتباع الله والسير معه بقوة روحه القدوس.
(2) المحاولة/المرحلة الثانية – حبال جديدة لم تُستعمل (عدد 11):
تشير هذه المحاولة للمرحلة الثانية من الحياة على الأرض، لحياة الشباب والقوة والصحة والعطاء والشهوات والتمتع بالحياة في ربيع العمر، ولطالما نسمع هذه المقولة: "ألا ليت الشباب يعود يوما".
سليمان الحكيم يقول في سفر الجامعة (12: 1):
" فاذكر خالقك في ايام شبابك قبل ان تأتي ايام الشر او تجيء السنون اذ تقول ليس لي فيها سرور".
سليمان الحكيم جرّب كل أنواع اللذات، ولكنه يؤكد في نهاية حياته أن نذكر الخالق في أيام الشباب بالذات.
قد نعتقد ان حياة الشباب هي الافضل، ولكن سرعان ما سنكتشف انها عابرة وسريعة لا محالة، عندما تمتد بنا الأيام وتتقدم بنا السنون، فيبدأ الشباب بالتلاشي شيئا فشيئا...
(3) المحاولة/المرحلة الثالثة - ضفر سبع خصل الراس مع السدى:
السدى هو النسيج الذي يربط الثوب من أعلى إلى أسفل، ويجعله ثوبا متماسكا جميلا غالي الثمن مصنوعا من القطن والصوف والحرير...
هذه المرحلة ترمز لحياة الغنى والرغد والرفاهية والمال والشهرة والقوة والمركز والعلم والتمتع بملذات الحياة على شتى اشكالها وانواعها... كل ما قد يتمنى الانسان ان يعيشه من الحياة الجيدة موجود في هذه المرحلة...
ولكن حتى هذه المرحلة، مهما وصل الإنسان منها وحصل عليها، فهي منتهية لا محالة، بل ولا تشبع الإنسان ولا تستطيع أن تملأ فراغ قلبه، وسمعنا ونسمع الكثير من المشاهير وأصحاب المراكز والمال والعلم الذين انتهت حياتهم بشكل مأساوي للغاية، بل وبعضهم بالانتحار...
(4) المحاولة/المرحلة الرابعة - قص الشعر:
قد نسمي هذه المرحلة: الموت، فهي انكسار المؤمن امام الخطية ومفارقة روح الله له، وبالتالي انتهاء لكل مراحل الحياة...
لقد سلم شمشون حياته للشهوات والخطية والنجاسة، فخسر نفسه ودعوته وخدمته، على الرغم من كل فرص النجاة التي أعطاه الله...
الفرق بين الثلاث مرات الأولى والمرة الرابعة، أن الثلاث مرات كانت متعلقة في عوامل وتقييدات خارجية، أما المرة الرابعة فكانت تتعلق في سر داخلي واقتلاع أمر من حياته وجسده.
كذلك نلاحظ سياسة الاستدراج والاستنزاف لعدو الخير بهدف إسقاط المؤمن، وذلك عندما نعطيه المجال وندخل في مساومة معه...
لقد جرّب الملك سليمان كل هذه المراحل، ابتداء بطفولته التي عاشها في بيت الملكية، ثم شبابه حيث مُسح ملكا على المملكة، ثم في حياته بعد ذلك، إذ كان حكيما وغنيا جدا، وعلى الرغم من كل ذلك قال في نهاية حياته:
"رأيت كل الاعمال التي عملتُ تحت الشمس فاذا الكل باطل وقبض الريح" (أمثال 1: 14).
حياتنا على الأرض ما هي إلا بخار، يظهر قليلا ثم يضمحل، والكتاب يعلمنا ان نفتدي الوقت لأن الأيام شريرة... فهل نفتدي الوقت أن نعيش للمسيح بأمانة دون مساومة على الحق الكتابي، ولكل من لم يعرف المسيح بقبول المسيح المخلص ربا وسيدا وملكا على حياتنا، قبل أن تضيع الفرصة منا كما اضاعها شمشون... عندها سنختبر المعنى الحقيقي للحياة، كما قال بولس الرسول: مع المسيح صلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيّ"...