قال الرب في إنجيل متى 6: 24:
"لا يقدر أحد ان يخدم سيدين لأنه اما ان يبغض الواحد ويحب الاخر او يلازم الواحد ويحتقر الاخر. لا تقدرون ان تخدموا الله والمال.".
نفس الآية مذكورة في إنجيل لوقا 16: 13، وهناك يستعمل كلمة "خادم" بدل "أحد".
هذه العبارة قالها الرب لتلاميذه في الموعظة على الجبل، فيها أعلن بوضوح حقيقة أن المال هو سيد، كما أنه يعلن أن الله هو سيد، ولكن شتان ما بين سيادة هذا وذاك.
هذا يأتي بنا إلى ما أوصى بولس تلميذه تيموثاوس في 1 تيموثاوس 6: 6-11 قائلا:
"6 واما التقوى مع القناعة فهي تجارة عظيمة 7 لأننا لم ندخل العالم بشيء، وواضح اننا لا نقدر ان نخرج منه بشيء 8 فان كان لنا قوت وكسوة، فلنكتف بهما 9 واما الذين يريدون ان يكونوا اغنياء، فيسقطون في تجربة وفخ وشهوات كثيرة غبية ومضرة، تغرق الناس في العطب والهلاك 10 لأن محبة المال أصل لكل الشرور، الذي اذ ابتغاه قوم ضلوا عن الايمان، وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة 11 واما انت يا انسان الله فاهرب من هذا، واتبع البر والتقوى والايمان والمحبة والصبر والوداعة.".
ما أصعب هذا السيد وكم من البشر يتبعونه ويركضون وراءه في هذه الأيام، وقد رأينا الكثير من العواقب الوخيمة لسيادة هذا "الإله" على كثيرين، كم بالحري على أولاد الرب، التي أغرقتهم في "العطب والهلاك".
إن الرب يؤكد "حقيقة كون المال سيدا"، كما هي حقيقة كون إبليس رئيس هذا العالم بسبب سيادة الخطية في العالم منذ سقوط الإنسان (يو 12: 31، 14: 30، 16: 11)، ولكن شكرا للرب أن المسيح، بعمله على الصليب، موته وقيامته من بين الأموات، جرّد الشيطان من هذه السيادة لكل من يقبل المسيح سيدا على حياته. كذا هو الحال بالنسبة للمال (كو 2: 15).
والسؤال الهام بمكان هو: "من هو سيدي؟"، سؤال من الجدير امتحانه بين الحين والآخر بعد قبول سيادة المسيح على حياتنا بالتوبة والرجوع للرب.
قد يتخذ هذا السيد أو "الإله" عناوين وأطرا كثيرة، محاولا خدعنا و"تغطية" نفسه ب"الطموح" أو "البركة الإلهية"، وقد نقتبس الكثير من شخصيات الكتاب الذين كانوا في حالة مادية ميسورة، مثل إبراهيم واسحق ويعقوب وداود وسليمان وأيوب وغيرهم، ونؤيد ما أعلنه أليفاز التيماني، أحد أصدقاء أيوب، قائلا: "تعرّف به واسلم، بذلك يأتيك خير" (أيوب 22: 21).
كل ما ذُكر ليس بالأمر الخطأ من طموح والحصول على البركة من لدن رب المجد لاتباعنا إياه، كيف لا ويقول: "إنما خير ورحمة يتبعانني كل أيام حياتي" (مزمور 23: 6)، وكما أعلن الرب لتلاميذه قائلا: "29 فأجاب يسوع: «الحق اقول لكم ليس احد ترك بيتا او اخوة او اخوات او ابا او اما او امرأة او اولادا او حقولا لأجلي ولأجل الانجيل 30 إلا ويأخذ مئة ضعف الان في هذا الزمان بيوتا واخوة واخوات وامهات واولادا وحقولا مع اضطهادات وفي الدهر الاتي الحياة الأبدية." (مرقس 10: 29-30).
المشكلة تكمن أنه في كثير من الأحيان يميل قلب المؤمن إلى محبة المال، وللحصول عليه يبدأ بالركض وراءه، معلّلا ذلك بآيات كتابية ومستخدما كلمة الله في سبيل إسكات ضميره وتبرير فعلته، والنتيجة ستكون الغرق في العطب والهلاك، إن آجلا أم عاجلا.
الوقاية من سيادة المال على حياتنا تكمن فيما قاله بولس لتيموثاوس:
"واما انت يا انسان الله فاهرب من هذا، واتبع البر والتقوى والايمان والمحبة والصبر والوداعة." (1 تي 6: 11)، ذات النصيحة يؤديها بولس لتيموثاوس عندما يحثه على الهروب من الشهوات الشبابية، فيقول في 2 تي 2: 22:
"اما الشهوات الشبابية فاهرب منها، واتبع البر والايمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون الرب من قلب نقي.” كما ويحث أهل كورنثوس على الهروب من الزنى (1 كو 6: 18)، لماذا؟ لأن محبة المال والشهوات الشبابية والزنى هي خطايا بشعة، بحيث أن السقوط فيها يأتي بعواقب وخيمة على حياة المؤمن وتؤدي إلى سقوطه سقوطا عظيما.
الهروب لا يكفي، إنما يجب الالتجاء إلى البر، التقوى، الإيمان، المحبة، الصبر، الوداعة والسلام، أي أن نعيش حياة القداسة والقرب من الله، ونحبه من كل القلب والنفس والفكر والقدرة، فلا نبقي لأي محبة غريبة أخرى مكانا في قلوبنا.
لنمتحن أنفسنا يوميا هل نحن في الإيمان، كما يقول بولس في رسالته إلى أهل كورنثوس: "جربوا انفسكم هل أنتم في الايمان. إمتحنوا انفسكم." (2 كو 13: 5)، ولنصلّ مع صاحب المزمور قائلين (مزمور 139: 23-24):
" 23اختبرني يا الله واعرف قلبي امتحني واعرف افكاري 24 وانظر ان كان في طريق باطل واهدني طريقا ابديا".