• تنين الميلاد (رؤيا 12) – بقلم القس حنا كتناشو
تنين الميلاد (رؤيا 12) – بقلم القس حنا كتناشو

تجمّعَ الأطفالُ حولَ شجرة الميلاد في النَّاصرة. يا لها من شجرة جميلة مزينة بالأضواء والقطن الأبيض والألوان المميزة التي تتشابه مع ثياب الأولاد. ثيابُهم ثيابُ العيدِ وضحكاتُهم تملأُ ظلامَ الدنيا بنورِ البراءة. حانَ وقتُ فتحِ الهدايا والجميعُ ينتظرون. لكنَّني شدَّدت قائلاً: لا يمكننا فتحَ الهدايا إلا بعدَ سماعِ قصةِ عيد الميلاد. هذه العادة عادتُنا ولن نغيّرها هذه السنة. اشتكى الأولادُ والبنات قائلين وقائلات: نحن نعرف جميعَ قصص الكتاب المقدس! سمعنا القصةَ مئات المرات في مدارسَ الأحد وفي البيت. لا نريد تكرارَ القصة، لا نريد، لا نريد، لا نريد. نظرت إلى العلاء منتظراً لمسةً ملائكية واستنارة جديدةً من رب السماء. فتحت كتابَ الكلمات الذهبية ثمَّ سألتُ: "هل سمعتم قصة التنين؟"

سادَ الصَّمتُ في الليلة الباردة وأضاء الرُّوح أنوارَ العيون حتَّى أنني رأيتُ الصَّمتَ في عيون ملائكتي الصّغار. بدأتُ بالحديث قبلَ أن أفقد اهتمام هؤلاء الملائكة وقبل أن يحوّلهم الصَّمتُ إلى شياطينَ صغيرةٍ. قلت: كما تعلمون استمرت الحرب بين العالم الأعلى مع العالم الأسفل. وتصارعوا على السيطرة على عالمنا العالم الأوسط. ولقد تحالفَ ملوكُ الأرض مع التنين الشرير، سيد العالم الأسفل. وهو الثعبان القديم آكلِ أولاد وبنات البشر ومدمّر المؤمنين. عاش هذا الثعبان آلاف السنين وجنَّد جيوشاً جهنمية قوية وانتصر على بلادٍ كثيرة وسحق ومحق. تلاعب بالاقتصاد ونشر الأكاذيب لتدمير الخير والفرح والسَّلام والعدالة. سكّرت الدول العظيمة والمجتمعات الدينية القوية بخمر تأثيره وخبثه. قتل الأطفال ونشر كل شر في كل مكان تارة باسم الدين وتورا باسم الأمن. ويا له من كاذب كذّاب. قوته لا تحدها الجغرافيا ولا التاريخ ولا جحافل البشر. من يستطيع أن يقاوم مثل هذه القوة؟ لكن هناك طفلٌ واحدٌ فقط يشكّل تهديدًا فاتكاً لهذا التنين. هو طفل مُعلنٌ ومخفي معروفٌ ومجهول. هو طفل النور الذي لا يراه العميان ولا يسمعه الطرشان ولا يحسّ به من فقد الإحساس. هو طفل من العالم الأعلى سيأتي إلى العالم الأوسط. فهل سيجده التنين؟ وكيف سيبحث عنه؟ مهما كلّف الأمر، أراد التنين القاتل العثور على هذا الطفل وقتله.

صاح التنين على أتباعه ونفث نار الحقد بغضب قائلا لهم: ابحثوا عن الأم وستجدون الطفل! بحث جنود الشر وملوكهم عن الطفل في جميع الممالك وهاجموا المعابد بلا رحمة وبلا شفقة، تصرفوا كما يتصرف زعيمُهم التنينُ الأحمر القاتل. واعتقد الكثيرُ من الناس أن الله تخلى عنهم وأن البشر تحولوا إلى شياطين. وسيطر العالم الأسفل على العالم الأوسط. فصرخ البشر إلى إله السماء قائلين: إلهي! إلهي! لماذا تركتني؟! نحن مثل الدودة. وهل تستطيع الدودة محاربة التنين؟ بيت لحم محاصرة؛ غزة تموت، لبنان مشلولة، سوريا مذبوحة، وكل الشرق مذلول، مذلول، مذلول. حتى متى يا ملك السماء؟ أنظر إلى نار التنين الحارقة. لا يستطيع لاجئونا العودة، والحكومات تدمر أراضينا، والتنين ينفث نيران الخوف في قلوبنا. شبابنا عاطلون عن العمل، بلا كرامة أو أمل! جهنم تحتل بلاد البشر وتغرس علم التنين الأحمر بحمرة الدماء. الجحيم يفتح أبوابه الشريرة وينشر التمييز والاحتلال والكراهية. أورشليم تتحول إلى عاصمة للفصل العنصري القمعي. قادتنا مشلولون. مستقبلنا مجهول. لا نستطيع أن نرى سوى انجرارنا إلى أضراس التنين الحادة.

        اختفت الأنوار وسادت ظلمة التنين على الممالك وتحوّل العالم الأوسط إلى أرض الظلام وعانى من برودة الكراهية. وازداد شر التنين قوة وتمكن أخيراً من العثور على أم الطفل. هي سيدة جميلة وجهها يشرق كنور الشمس والقمر تحت رجليها وتاجها المجد. كانت حُبلى بطفل النور وهي على وشك الولادة. كانت الطبول على وُشك أن تُقرع والأبواق على وشك أن تدوّي والملائكة على وشك أن ترنم لتعلن ميلاد طفل النور وحلول عيد أعظم ميلاد. لكن التنين ذا الرؤوس السبعة والقرون العشرة هاجم الأم وهي في مخاضها. هاجمها وهي في أرض السماء. هاجمها في مكان غير متوقع ووقت غير متوقع علّه يحرز انتصاراً على طفل النور. لم يخضع التنين لقوانين الحرب ولحقوق الإنسان ولم يتوانى عن القضاء على الحوامل وقتل الأطفال حتى قبل أن يولدوا. هاجم هجوما شرساً والمرأة على فراش الولادة.  أراد أن يحوّل لحظة الحياة إلى لحظة موت وأن يستبدل فرح الولادة بجنازة الطفل. من يستطيع أن يُخلّص العالم الأوسط من التنين؟ من يستطيع أن يُدافع عن هذه المرأة المظلومة؟ هل يوجد أحد في السماء أو على الأرض أو تحت الأرض مستحق أن يفك السفر العجيب ليقهر التنين؟ طفل النور هو الاحتمال الوحيد ويريد التنين تدميره. لا يريد أن ينتظر حتى يكبر الطفل ويصنع معه حربا شريفة فهو تنين مخادع. فهل يستطيع طفل هزيمة تنين شرس؟!

        حاول التنين تدمير الطفل لكن ويا للمفاجئة السعيدة قوة الطفل تتجاوز الخيال. نور الطفل أقوى من نيران التنين. فالحب يغلب الكراهية، والأمل يبدد اليأس. والقداسة تسحق النجاسة. وفور مجيء الطفل إلى العالم الأوسط اهتزت أساسات عالم التنين وتزلزلت قصور الشر وتهاوت. وبقداسة لا مثيل لها هزم الطفل التنين فمنع طوفان الشر جاعلا من نفسه سداً منيعاً وقارب النجاة وشعلة الرجاء وكتلة حب لا تنطفئ مهما بلغت قوة الدمار. لم يتحقق انتصار التنين وخسر الجولة الأولى وهو في طريقه نحو هزيمة الجولة الأخيرة. تستمر الحرب بين الجولتين وتنجب الأم العديدَ من الأطفال الذين يشبهون ويتشبهون بالطفل الأول. هم أبناء النور، وبنات الحقيقة والحب والأمل. يهزمون التنين مرارًا وتكرارًا بالحق والحب والعدل والأمانة للطفل الأول. هم الحجارة التي تبني أورشليم السماوية الآن وهنا. يموتون أبطالًا بدلاً من أن يعيشوا جبناء. يبحثون عن المدينة السماوية وليس المدينة الجهنمية. هم حلفاء العالم الأعلى والجماعة السماوية وليسوا من حلفاء العالم الأسفل أو من أبناء وبنات بابل الذين يسجدون للتنين.

لا شكّ أن مولد الطفل بدايةٌ لتدمير التنين ونهاية تسلطه. هذا الطفل يغلب الموت ويهدم بابل، مدينة الشر وعاصمة التنين. لم يعد التنينُ غير قابل للكسر وللتدمير. هو أسير محبوس مثله مثل جنوده. ولقد أقفلت أبوابُ الهاوية ولا يمكن لسجنائها الآن عرقلة مجيء أورشليم السماوية. يتبع ولادة الطفل ولادة إخوته وأخواته. وهكذا تمتد حضارة الميلاد، حضارة الطفل الأول الذي نشر المحبة والأمل والمساواة والرحمة. إنه تحقيق حلم السلام.

في ضوء قصة تنين عيد الميلاد، أشجعكم يا أطفال ويا كبار على ما يلي: (1) آمنوا أن قتل التنين ممكن في كل زمان ومكان ولا تفقدوا الرجاء، (2) حاربوا التنين بسلاح الطفل الأول ولا تستسلموا، (3) قفوا ضد الأيديولوجيات السياسية والدينية التي تجسد وتشجع الشر المنهجي، (4) تذكروا أننا نغلب التنين ليس بأسلحته بل بدم الخروف وبشهادة المحبة والعدل، (5) وكلما كنت محبوسًا في بطمس مثل الرسول يوحنا ارفع عينيك إلى السماء. لست بحاجة لمغادرة بطمس للوصول إلى أورشليم. كل ما عليك فعله هو الإيمان بالمسيح والسير خلف خطواته. ستصل أنت أورشليم وتصل أورشليم من خلالك ومن خلال إيمانك ومحبتك وأملك ودموعك الإلهية. أخيرًا يا أحبائي الصغار والكبار، نحتاج إلى محاربة التنين معًا لذا تذكروا جميع المتألمين في صلواتكم وفي أفعالكم خلال موسم عيد الميلاد. وُلد المسيح، هللويا!

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع