• ذكريات عيد القيامة في العراق - مارتن كورش تمرس لولو
ذكريات عيد القيامة في العراق -  مارتن كورش تمرس لولو

قبل أن أبدأ مقالتي هذه أتقدم بالتهنئة الحارة لكل المسيحيين المفديين بدم الحمل من حول العالم مهنئً أياهم بعيد القيامة، الفصح: "قام المسيح. حقًّا قام."

من منا في الوطن؛ يوم كان تعدادنا ما يقارب 1،500،000 نسمة، واليوم لا نتجاوز 200،000 نسمة؛ لا يتذكر سنوات الخمسينيات من القرن الماضي وإلى ما قبل عام 2003، أيام كنا كعائلة مسيحية تجلس حول مائدة واحدة، تضم الوالدين والإخوة والأخوات وأحيانًا الجدة والجد كي نتناول الطعام. بل كيف كنا في صباح أول أيام أعياد الميلاد، أو في عيد الفصح، قيامة الرَّبِّ، نذهب كعائلة سوية إلى الكنيسة لنأخذ القربان (الخبز والخمر) الذي يرمز إلى جسد ودم يسوع المسيح "له كل المجد" الذي بذله من أجل دفع ثمن خطايانا على الصليب "وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ أَخَذَ يَسُوعُ الْخُبْزَ، وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى التَّلاَمِيذَ وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا. هذَا هُوَ جَسَدِي»" (متى 26: 26) و "وَأَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلًا: «اشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ، لأَنَّ هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا. وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي مِنَ الآنَ لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ هذَا إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ مَعَكُمْ جَدِيدًا فِي مَلَكُوتِ أَبِي»."( متى 26: 27 - 29). نخرج من هيكل الكنيسة لنجد عند الباب سلات فيها مأكولات نذرنها بعض النساء، نأخذ ونأكل. بعدها نعود إلى البيت لنتناول الفطور، حيث ما لذَّ وطاب من البيض المسلوق الملون بشتى الألوان؛ عادة ترمز إلى عيد القيامة/ الفصح "وَفِي أَوَّلِ أَيَّامِ الْفَطِيرِ تَقَدَّمَ التَّلاَمِيذُ إِلَى يَسُوعَ قَائِلِينَ لَهُ: «أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نُعِدَّ لَكَ لِتَأْكُلَ الْفِصْحَ؟»"(متى 26: 17)، والمقلي والأجبان بأنواعها والألبان وفي مقدمتها الـ(كليجة) التي كانت ولا زالت ألذ أكلة لنا نحن الصغار، حيث كان لعابنا يسيل عليها ونحن نشاهد أمهاتنا مع شقيقاتنا وهنَّ يصنعنَها قبل العيد بأيام، ولا نقدر أن نأكلها لأن معظم أفراد العائلة كانوا صائمين. كانت أيام جميلة فيها كنا كعوائل نتبادل زيارات التهنئة بالعيد مع جيراننا المسيحيين بيتًا بيتًا. أيام لا زلنا نتذكرها ونحن نرويها لأولادنا وأحفادنا حتى وإن كنا نقيم في بلدان المهجر. أكيد تشتتنا بين أرجاء المعمورة دون أن نرتكب جرمًا فقط لأننا مسيحيون، والوطن شاهد على إخلاصنا له. لم نتشاجر مع جارنا ولا زال بعض الجيران يبكون فراقنا لهم. لم يتجاوز فلاحونا على مياه سقي غيرهم. لم نذبح دجاجة غيرنا. لم نسرق بطة أو وزة أو معزة جارنا. لم نحمل حمارنا أكثر من طاقته. لم ننظر بعين الشر إلى جارتنا. لم نرشق حتى الكلاب السائبة بالحجارة. بل أبدينا السلام لكل من في الوطن (الجار قبل الدار). بل ماذا فعل قساوستنا وخدام كنائسنا لغيرنا حتى يقتلون ويذبحون – الشهيد المطران فرج رحو [1]؟ غير أنهم كرزوا بالمحبة والسلام. لقد تركت جريمة اقتحام كنيسة النجاة في بغداد ((مجزرة سيدة النجاة هي هجوم قام به ستة انتحاريون جهاديون من جماعة تدعى دولة العراق الإسلامية ضد كنيسة سريانية كاثوليكية في بغداد في أثناء القداس المسائي يوم الأحد المصادف 31 أكتوبر 2010،)) [2] وهجوم مسلحو داعش على قرى سهل نينوى عام 2014 أثرًا حزينًا في نفوسنا. نسأل أنفسنا والوطن شاهد، كيف نقدر أن نعود كما كنا في تلكم الأيام ونحن جالسون كعائلة حول مائدة واحدة؟ ونحن صائمون منتظرون الفصح حيث عيد قيامة الرَّبِّ. (قام المسيح. حقًا قام). فرحين بقدوم العيد. أين يا وطن خرَّت تلكم الأيام من سجلات تأريخك العريق؟ ونحن من كتب أول حرف في كلمة في جملة كي تقوم ثقافة وتبنى حضارة على ضفاف نهري دجلة والفرات. أمام أنظارك نقتل ونذبح ولا رفيق صديق جار يحرك ساكنًا لنجدتنا. لن نحزن لأننا لسنا أفضل من قدوتنا رَبُّنا يسوع المسيح "فَيَهْزَأُونَ بِهِ وَيَجْلِدُونَهُ وَيَتْفُلُونَ عَلَيْهِ وَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ»." (مرقس 10: 34). لذلك لن يضعف إيماننا لأن لا غير السيد المسيح "له كل المجد" قادر على توحيدنا في كنيسة واحدة وانصافنا بعد أن فقد العالم العدل والمساواة، يتحقق هذا من خلال رفع القلب قبل النظر إلى السماء، بالصلاة والصوم والطاعة والإيمان.

ها هو عيد الفصح قيامة الرَّبِّ على الأبواب، نقول لكل المفديين بدم الحمل المسيحيين: "قام المسيح. حقًّا قام" عيد قيامة الرَّبِّ مباركة لكم. سيكون هذا العيد بركة للجميع لأن كل الطوائف والكنائس المسيحية تُعَيِّدُ معًا في العشرين من شهر نيسان. نتمنى أن نبقى هكذا متوحدين نُعيد معًا فليس في هذا أية صعوبة ما دام الرَّبُّ واحدًا. أنها الخطوة الأولى للعودة للجلوس حول مائدة واحدة، كما جلس الرَّبُّ مع تلامذته ومع الخطاة ومع المرضى. اجعلوا يا كل القائمين على إدارة أمور شعبنا، الرب يسوع المسيح "له كل المجد" قدوة لكم. لم يفكر بكرسي ولا بمنصب ولا برئاسة أرضية، تاركًا مجد السموات، متجسدا في صورة إنسان "أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ افْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ، لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ." (2 كورنثوس 8: 9).

أننا كأدباء وكتاب مسيحيون غيورون، يحز في نفوسنا ما يمر به شعبنا من تهميش وضيقات، وما نكتبه يقدم الاقتراحات من أجل توحيد الكنيسة في أوطاننا في الشرق من مبدأ أن الكنيسة هي جسد يسوع (أفسس 5: 25)، حينئذ سنصوم في وقت واحد ونحن ننتظر عيد ميلاد الرَّبِّ وعيد قيامته معًا فرحين، نذهب إلى الكنيسة سالمين "فَرِحْتُ بِالْقَائِلِينَ لِي: «إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ نَذْهَبُ»."(سفر المزامير 122: 1). قام المسيح. حقًّا قام.

 المحامي والقاص

 مارتن كورش تمرس لولو

 

المصادر

1]http://www.tellskuf.com/index.php/thaqafa/5-cul/36397-2014-03-02-19-17-00.html

2] https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D8%B2%D8%B1%D8%A9_%D8%B3%D9%8A%D8%AF%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AC%D8%A7%D8%A9

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع "تعال وانظر" هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في الموقع